فإن قلتَ: فكم القدرُ الواجبُ مِن العربية، وهل هو متعسِّرٌ أو متعذِّر؟.
قلتُ: ذلك لا يتقدَّرُ بمقدار، ولا يستمِرُّ الحالُ فيه لاختلاف الفِطَنِ، وتفاوتِ الأفهامِ، وفي الناس مَنْ يكفيه القليلُ، وفيهم مَنْ لا يكفيه الكثيرُ، ولا بُدَّ مِن القراءة في الفنِّ حتى يتمكن من معرفة مسائل الفن جَلِيِّها ودقيقِها غالباً، وإنما قلت: يتمكن لما قدمنا ذكرَه من أنه لا يجبُ حفظُ سائر الفنون غيباً وكذلك حفظُ العربية، وإنما الواجبُ أن يقرأ فيها حتى تكونَ له ملَكةٌ ثابتةٌ يَصْلُحُ معها لمطالعةِ الكُتُبِ البسيطةِ، وفهم عبارات النحاة، والخوض مع المحققين في لطائف المعارف عند الحاجة إلى ذلك، وقد تقدَّم الدليلُ على عدمِ وجوبِ الحفظ على المجتهد، وأن الواجبَ أن يكون متهيئاً للمعرفة، متمكناً منها، لا حاصلاً عليها في الحالِ، ولا حاجةَ إلى إعادةِ ذلك.
وإنما قلت: غالباً لما يعرِفُهُ النقادُ من أن التحقيق لا يَعْصِمُ المحقق من التعثُّرِ في بعض الدقائق، والتحيُّرِ في بعض المضايق، وأما سهولةُ ذلك وصعوبتُه، فتختلِفُ على حسب اختلاف الهِمَمِ والأفهام كما ذلك مُجربٌ معلوم.
= فإنهم يحجبون الأم عن الثلث، فيردونها إلى السدس، واتفقوا على أنهم إذا كانوا ثلاثة إخوة، حجبوا، فإن كانا أخوين، فهل يحجبانها؟ فيه قولان، أحدهما: يحجبانها عن الثلث قاله عمر وعثمان وعلي وزيد والجمهور، والثاني: لا يحجبها إلا ثلاثة، قاله ابن عباس واحتج بقوله: " إخوة " والإخوة اسم جمع، واختلفوا في أقل الجمع، فقال الجمهور: أقله ثلاثة، وقال قوم: اثنان، والأول أصح، وإنما حجب العلماء الأم بأخوين للدليل اتفقوا عليه، وقد يسمى الاثنان بالجمع، قال الزجاج: جميع أهل اللغة يقولون: إن الأخوين جماعة. وحكى سيبويه أن العرب تقول: وضعا رحالهما يريدون: رحلي رحالهما. " زاد المسير " ٣/ ٢٧ - ٢٨، وانظر " مجاز القرآن ١/ ١١٨ و" جامع البيان " ٨/ ٤٠ - ٤٤، و" تفسير ابن كثير " ٢/ ١٩٨ - ١٩٩، و" تفسير المنار " ٤/ ٤١٦ - ٤١٧.