للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المستحق حتى يجازى به في الآخرة أو يُعفى عنه. وإلى نحو هذا ذهبت عائشة، فإنها ذهبت إلى أن الكافر وغيره من أصحاب الذنوب يعذب في حال بكاء أهله عليه بذنبه، لا ببكائهم. حكاه النواوي عنها في شرح " مسلم " (١) وهو نحوه، إلاَّ أن فيما لخصته زيادةً حسنةً تناسب كون البكاء سبباً للعذاب المستحق، لا موجباً له، والله أعلم. وتكون الحكمة في تعجيل العقوبة المستحقة بسبب البكاء الزَّجر عنه.

ومع هذه الوجوه وما لا تحيط به العقول من حكمة الغنيِّ الحميد، الذي لا يُتَّهَمُ بظلم العبيد، كيف يسوغ تكذيب الثقات في رواية الأخبار النبوية، ونسبتهم إلى تجويز الظلم إلى بارىء البرية، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن تكذيب اليهود فيما نقلوه من الإسرائيليات (٢)، فالعجب ممن يتجرأ مع ذلك على تكذيب الثقات الأثبات.

فهذا ما وعدنا به من ذكر مذاهب أهل السنة على جهة الخصوص في إثباتهم حكمة الله عزَّ وجلَّ في هاتين المسألتين من المتشابه الذي لا تدرك العقول منه إلاَّ ما جاء عن الله تعالى، وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم -.

فصل: وأما ما وعدت به من ذكر مذاهبهم في ذلك على جهة العموم، فذلك كله إجماعٌ من أهل السنة، وقد ذكر ذلك الزنجاني في شرح قصيدته الرائية الشهيرة بالحث على السنة التي أولها:


(١) ٦/ ٢٢٨، وروى مالك في " الموطأ " ١/ ٢٣٤ ومن طريقه أحمد ٦/ ١٠٧، والبخاري (١٢٨٩)، ومسلم (٩٣٢) (٢٧)، والترمذي (١٦٠٠)، والنسائي ٤/ ١٧ - ١٨، وابن حبان (٣١٢٣) من طريق عمرة بنت عبد الرحمن أنها سمعت عائشة، وذكر لها أن ابن عمر يقول: إن الميت ليعذب ببكاء الحي، قالت عائشة: يغفر الله لأبي عبد الرحمن، أما إنه لم يكذب، ولكنه نسي أو أخطأ، إنما مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على يهودية يُبكى عليها، فقال: " إنهم يبكون عليها، وإنها لتعذَّب في قبرها ".
(٢) انظر ص ١٤٥ (ت) رقم (١).

<<  <  ج: ص:  >  >>