للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للعذاب، وبين نفع وليٍّ واحد بعذاب ألف ظالم من أعدائه المستحقين عظيمَ الانتقام منهم، بل تظاهُرُ الكثير من المُبطلين على الأقلين من المُحقين أدْعَى إلى التنكيل بهم، وأشفى لقلب المؤمن المتألم منهم، حيث لم يشكروا نعمة القوة والكثرة والتمكين، وبدَّلوا ما يجب من شكرها بنصر المظلوم بِشَرٍّ بَدَلٍ من انتهاك (١) حُرمةِ المستضعفين من أولياء رب العالمين.

وقد نصَّ الله تعالى على أنه يُريد بعذابهم في الدنيا بالعذاب الأدنى، وهو الحربُ والقتل نصر المؤمنين وإذهاب غيظهم، وشفاء صدورهم، وربُّ الدارين واحد، وحكمته فيهما واحدة بل قد نصَّ على ذلك حيث قال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: ٥١].

وسيأتي ما ورد في كتاب الله تعالى من ذلك حيث ذكرنا الوجه في ترجيح عذاب الكفار على العفو عنهم مع أن العفو أحبُّ إلى الله تعالى في كتبه وشرائعه، وأنه عزَّ وجلَّ لا يتركُ العفو حيث يكون راجحاً، إلاَّ أن يكون في الانتقام مصلحةٌ راجحة من إنصاف مظلوم، أو سرور محبوب، أو نحو ذلك.

قالت البصريةُ من المعتزلة: إرادةُ الإضرار بهم لمصلحة غيرهم ظلمٌ قبيح.

قلنا: ممنوعٌ لصدوره من المالك العدل الحكيم، فيجبُ الجزمُ بالحسن، وإن خَفِيَ وجهُه على أنه غيرُ خافٍ.

فقد قدمنا إطباق العقلاء على فعله واستحسانه في التلذُّذ بما ليس له ذنب من الحيوان لخساسته بالنظر إلى المنتفع به، فكيف تلذُّذ المؤمن أو كمال لذته بعذابٍ مُستحَقٍّ على عدوِّه مع مصالح في ذلك، وغاياتٍ حميدة لا يعلمها إلا الله تعالى.

والمعترض قد أجاز الإضرار بالعذاب الدائم بمجرد إباحته من غير نظرٍ إلى


(١) تحرفت في (ش) إلى: انتهاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>