للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكذب فيما يدعيه، ووثق رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بدليله (١) يومَ هاجر، وكان كافراً، وبذمَةِ سُراقة (٢) حين دعا له مع كفره، وشِدَّةِ عداوته، وكذا أَمِنَ كفارَ قريشٍ في عُمرة القضاءِ، ووضع جل السلاح.

الوجه الثالث: أنَّه لا خلافَ أن طريقة أبي هُريرة على عهدِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت مستقيمةً، وأنَّه كان يختصُّ برسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وُيلازِمُه ويأخُذُ عنه، ولم يكن منه في عهدِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كبيرةٌ، ولا حُدَّ في معصية، ولا اتُّهِمَ بنفاق، ولا كانَ مِن أهل الإفك، وكان مِن العُدول في ذلك العصر على كلِّ مذهبٍ، ومن الصحابة المثنى عليهم على كُلِّ قولٍ، وعند كُلِّ طائفةٍ. فالعجبُ ممن يقبل جرحه ممن لا يُعْرَفُ ولا يُدْرَى مَنْ هُوَ بغير إسناد ولا نظرٍ في رجال الحديث، بل يقبلُه مقطوعاً ممن لا يُدرى مَنْ هو، ولا يُساوي أدنى أدنى أدنى مرتبةٍ من مراتب أصحابِ أبي هريرة من التابعين الرُّواة عنه، المُوثِّقين له، الذين زادُوا على ثماني مئة، ولو صَحَّ طرحُ مِثْلِ هذه الفواحش والخبائث على مثل أبي هريرة من أئمة الإسلام، وأعلامِ الهُدى، لأمكن الزنادِقَةَ لَطْخُ أكثرِ العِترة والفقهاء بمثل ذلك. وليتَ شعري أيُّ فرقٍ يجده المميزُ الحازم بينَ أبي هريرة، وأبي الدرداءِ، ومُعَاذٍ، وكثيرٍ من المهاجرين، والأنصار، ثم يعلم المميز أنَّه لو كذب مثلَ ذلك على الصَّادِقِ والباقر ومالك والشافعي أو منْ دونهم من فُضلاء عصره، وأعيانِ أهل زمانه، لكان الحملُ لهم على السلامة أرجحَ، والتغليب لِنزاهتهم عما قيل


(١) في حديث الهجرة الطويل عن عائشة: واستأجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر رجلاً من بني الديل وهو من بني عبد بن عدي هادياً خريتاً (والخريت: الماهر بالهداية) قد غمس حلفاً من آل العاص بن وائل السهمي، وهو على دين كفار قريش، فأمِنَاه، فدفعا إليه راحلتَيهما، وَواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث ...
أخرجه البخاري في " صحيحه " (٣٩٠٥) في فضائل أصحاب النبي: باب هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى المدينة.
(٢) خبره في الحديث السابق، فانظره، وفيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال لسراقة: اخف عنا

<<  <  ج: ص:  >  >>