للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه لا يَجْعَلُ ارتقاءَ مرتبةِ الاجتهاد سهلاً ومِن ها هنا قال: بجواز كونِ الإمام مقلداً، وصنف كتاباً للمستظهر (١) في ذلك، فلو كان عندَه سهلاً، لقال: يكفيه أن يَسْمَعَ مختصراً مختصراً في كُلِّ فنٍّ مِن علوم الاجتهاد (٢) في أيَّامٍ يسيرة، ويرجع إلى أصلِه الذي قد صَحَّحَهُ.

أقول: شَرَعَ السَّيِّدُ الآنَ في بيان الدليل الذي أوجب تأويلَ كلامِ الغزاليِّ، وقد تمسَّك في تأويله لكلامه بدعوى وحجتين.

أما الدَّعوى، فادَّعَى على الخلقِ أجمعين أَنَّ مَنْ تأمّلَ كلامَه منهم، عَلِمَ قطعاً أنَّ الغزالِيَّ لا يجعل ارتقاءَ مرتبةِ الاجتهاد سهلاً، وهذه دعوى على الناسِ مجردةٌ عن الدليل، فإنه لا يدري لو نظروا في كلامِ الغزاليِّ هَلْ يفهمون كما فَهِمَ، أو يَرُدُّونَ عليه مَا فَهِمَ، فما الدليلُ على رفعِ هذا الاحتمالِ؟ ثم إنَّه قد كان قدم كلام الغزالي في تسهيل الاجتهادِ وهو صريحٌ في التسهيل لا يحتملُ التأويلَ، ثم ادَّعى عليه التعسيرَ للاجتهاد، وإن ذلك يظهر مِن كلامه ظهوراً يُفيدُ العلمَ والاعتقاد، وهذه دعوى للمناقضة على الغزالي، وليس يلزمُنا منها شيء، فنتعرَّضَ لردها، ولكنا نُنَبِّهُ السَّيِّد -أيَّدَه اللهُ- أنَّه لا يليقُ من الإنسان أن يَدَّعِيَ المناقضات على الأمواتِ، ولا يتعرَّضَ لِنسبة الأمورِ المستضعفاتِ إلى العِظَامِ الرُّفاتِ، فإنَّهم لو كانوا في الحياة، لذبُّوا عن أنفسهم ذبَّ الرجال،


(١) هو أبو العباس أحمد بن عبد الله المقتدي، بن محمد، ولي الخلافة بعد وفاة أبيه سنة (٤٨٧ هـ)، واتَّسق له الأمرُ على حداثة سنه، ودامت له الخلافة أربعاً وعشرين سنة، وثلاثة أشهر، وعشرين يوماً، ومات ببغداد سنة (٥١٢ هـ)، وكان كما يقول ابن الأثير: لين الجانب، كريم الأخلاق، يحب اصطناع الناس، ويفعل الخير، ويسارع إلى أعمال البر والمثوبات، مشكور المساعي، لا يَرُدُّ مكرمةٌ تُطلب منه، والكتابُ الذي ألفه له الإمام الغزالي سماه " المستظهري " في فضائح الباطنية، وفضائل المستظهرية، تد نشر قسم منه. انظر " الكامل " لابن الأثير ١٠/ ٢٣١ و٥٣٣ - ٥٣٥ و" سير أعلام النبلاء " ١٩/رقم الترجمة (٢٣٦).
(٢) لم ترد كلمة " الاجتهاد " في (أ).

<<  <  ج: ص:  >  >>