للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: ما قدمته من قُصوري عن بلوغ مرتبة التأويل، فإن التأويل لا يصح (١) إلاَّ من الراسخين في العلم على قول الخصم، فلو ذهبتُ إلى التأويل عن أساليب العلماء، لكنت قد ناقضتُ في كلامي.

وثانيهما: أن التفصيل والتحقيق يحتاج إلى بسط ٍكثيرٍ، فلعلي لو كنت من أهل ذلك، وتعرضت له، ما فرغ الكلام على هذه الأحاديث التي أشار السيد إليها إلاَّ في مجلدات، والذي أختار لنفسي ما يليق بمقتضى حالي في قصور باعي (٢) في العلم، وعدم رسوخي فيه، وهو المروي عن الأكثرين من السلف.

قال النووي في " شرح مسلم " (٣): اعلم أن لأهل العلم في أحاديث الصفات قولين:

أحدهما: -وهو مذهب معظم السلف أو كلهم، وهو مذهب جماعةٍ من المتكلمين، واختاره جماعةٌ من محققيهم، وهو أسلمُ-: أنه لا يُتكلَّمُ في معناها، بل يقولون: يجب علينا أن نؤمن بها، ونعتقد لها معنىً يليق بجلال الله تعالى، مع اعتقادنا الجازم أن الله تعالى ليس كمثله شيءٌ، وأنه منزَّهٌ عَنِ التجسيم إلى آخر كلامه، وهو محكي بلفظه، لكن فيه تقديم لبعض ما أخره.

قلت: وإنما ذهبوا إلى هذا واختاروه لوجهين: عقلي وسمعي.

أمَّا العقلي: فلأن المتأول إما أن يقطع أن تأويله هو مراد الله، وأنه لا تأويل سواه، فهذا خطأٌ، لأنه (٤) لا دليل على أنه لا تأويل سواه يمكن أنه مراد الله، وأقصى ما في الباب أنه طلب، فلم يجد، لكن عدم وجود المطلوب لا يدل على عدم المطلوب في نفسه، وكم من عالمٍ يأتي بتأويلٍ، ثم يأتي غيره بأحسن منه، بل قد يأتي هو بأحسن منه فيما بعد، وإن لم يقطع على أن تأويله مراد الله،


(١) في (ش): " مرتبة التأويل الذي لا يصح ".
(٢) من قوله: " ما فرغ الكلام " إلى هنا سقط من (ش).
(٣) ٣/ ١٩.
(٤) في (ف): " فإنه ".

<<  <  ج: ص:  >  >>