للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالت المعتزلة: إرادة القبيح قبيحة على كل وجهٍ، والله تعالى عندكم مريد للقبيح.

قلت: الدعوتان ممنوعتان معاً.

أما الدعوى الأولى: وهو أن إرادة القبيح قبيحة على كل وجهٍ فممنوعة.

بيانه: أنها ليست بقبيحة لذاتها، ولا لذات القبيح عند المعتزلة، لأنها لو قبحت لذاتها (١)، قبحت كل إرادة، وقبحت إرادة الحسن، ولو قبحت لذات القبيح، كان القبيح قبيحاً لذاته، ولو كان قبيحاً لذاته، قبح الحسنُ أيضاً، لأن ذات القبيح والحسن واحدة، وهي الحركة والسكون، بل المرجعُ بهما عند المعتزلة والأشعرية إلى مُجَرَّد لبث الجسم في الجهة، كما هو مقرَّرٌ في الكلام، وقد مر في ذمِّ الكلام.

فثبت أن قبح إرادة القبيح عند الخصوم أمرٌ عارض يجوز خلوها عنه، ويبدلها بعارض آخر يحسن معه.

ونظيره إرادة الحسن، فإنها حسنة لتعلُّقها بوجه حُسنه، ومتى عَرَضَ لها عارض يقتضي القبح، قبحت.

ولذلك أمثلة كثيرة، منها متفق عليه، ومنها مختلفٌ فيه، ومن أحسنها إرادة اليمين الواجبة شرعاً، وكراهتُها تجب من الوجه الذي قبحت منه عقلاً وشرعاً.

ولا يقال: إن هذه الصورة غير ما نحن فيه، لأن اليمين في هذه الصورة قد ورد الأمرُ بها، والمحبة بخلاف المعاصي، لأنا نقول: إذا جاز تعلق الأمر والنهي والمحبة والكراهة بأمرٍ واحد لاختلاف وجوهه وعوارضه ولوازمه، جاز تعلق الإرادة والكراهة بذلك وبأمثاله أولى وأحرى.

وكذلك الأمرُ باللعان.


(١) في (ش): بذاتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>