للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا حديثَ أهلِ الكبائر، فذلك لا يستحقُّ اسمَ الضَّعْف (١)، إنما يُقال فيه: إنَّه باطل أو موضوع أو نحو (٢) ذلك، وإنما الضعيفُ ما في حِفظ راويه شيء مما ينجبرُ بالشَّواهد والمتابعات على ما هو مقرَّرٌ في علوم الحديثِ، وعامةُ التضعيف إنما يكون بقلَّةِ الحفظ، وكثرة الوهم وللمحدِّثين في ذلِكَ تشديد كثير لا يُوَافقُونَ عليه، فإن المعتبرَ عند الأصوليين أن يكون وَهْمُ الراوي أكثر من إصابته على قولٍ، واختاره المنصورُ بالله عليه السلامُ، وعبدُ اللهِ بن زيد رحمه الله، أو يكون مساوياً على قول الأكثرين، وأما إذا كان وهمه أقل، فإنه يجب قبولُه عند الأصوليين، وليس كذلك مذهبُ المحدثين، فإنهم يَقْدَحُون بالوهم في قدر عشرين حديثاً مع الإصابة في مئتي حديث أو أكثر، بل منهم من يغلُو ويُشدِّدُ، فيقدح في مَنْ وَهِمَ في قدر العشرة الأحاديث مع الإصابة في ألوفٍ من الأحاديث، ولقد أخطأ بعضُ الثقات في حديث واحدٍ، فقال له شعبة: إنْ سمعْتُكَ تروي مثل هذا مرةً ثانية، تركتُ حديثك ونحو ذلك، فهذا هو أكثَرُ الحديثِ الضعيفِ، وهذا وأمثالُه مِنْ أسباب التضعيفِ لا يَقْدَحُ عند الأصوليين، والمسألة مبيَّنَةٌ في كتب علوم الحديث. فعلى هذا الوجه تكون روايةُ أبي حنيفة عن الضعفاء مذهباً واختياراً، لا جهلاً وجِزافاً.

المحمل الثاني: أن يكون ضعفُ أولئك الرُّواة الذين يروي عنهم مختلَفاً فيه، وهو يعلم وجه التضعيفِ، وحجةَ المضعِّف، ويكونُ مذهبُه أن ذلك لا يقتضي الضعفَ، وقد جرى ذلك لِغيره من العُلماء والحفاظ، فهذان قُطبا علوم الزيدية الهادي، والقاسم عليهما السلامُ يرويانِ عن


(١) في (ب): الضعيف.
(٢) في (ج) ونحو.

<<  <  ج: ص:  >  >>