للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإيجاب، ولا على سبيلِ الجهل بضعفِ الحديث.

قال الحافظ أبو عبد الله بن مَنْدة: إن أبا داود يُخْرِج الإِسناد الضعيفَ إذا لم يَجِدْ في الباب غيره، لأنَّه عنده أقوى مِن رأي الرجال. انتهى.

وفي هذا شهادةٌ واضحة أن روايةَ الحديثِ الضعيف لَيْسَتْ مِن قبيل الجهلِ بضعفِ الحديث (١). فأحمدُ، وأبو داود من جِلَّة علماء الأثر بلا مدافعةٍ (٢)، وهذا الحديثُ الضعيفُ الذي ذكروه ليسَ حديثَ الكذابين،


= القاضي: معنى قول أحممد: " هو ضعيف " على طريقة أصحاب الحديث، لأنهم يضعفون بما لا يوجب التضعيف عند الفقهاء كالإرسال والتدليس والتفرد بزيادة في حديث لم يروها الجماعة، وهذا موجود في كتبهم: تفرد به فلان وحده، فقوله: " هو ضعيف " على هذا الوجه، وقوله: " والعمل عليه " معناه على طريقة الفقهاء، قال: وقد ذكر أحمد جماعة ممن يروي عنه مع ضعفه، فقال في رواية إسحاق بن إبراهيم: قد يحتاج أن يحدث الرجل عن الضعيف مثل عمرو بن مرزوق، وعمرو بن حكام، ومحمد بن معاوية [وعلي] بن الجعد، وإسحاق بن أبي [إسرائيل] ولا يعجبني أن يحدث عن بعضهم، وقال في رواية ابن القاسم في ابن لهيعة: ما كان حديثه بذاك، وما أكتب حديثه إلا للاعتبار والاستدلال، أنا قد أكتب حديث الرجل كأني استدل به مع حديث غيره يشُدُّه، لا أنَّه حجة إذا انفرد، وقال في رواية المروزي: كنت لا أكتب حديثه -يعني جابراً الجعفي- ثم كتبته أعتبر به، وقال له مهنا: لم تكتب عن أبي بكر بن أبي مريم وهو ضعيف؟ قال: أعرفه، قال القاضي: والوجه في الرواية عن الضعيف أن فيه فائدة وهو أن يكون الحديث قد روي من طريق صحيح فتكون رواية الضعيف ترجيحاً، أو ينفرد الضعيف بالرواية فيعلم ضعفه، لأنَّه لم يُرْوَ إلا من طريقه فلا يقبل.
قال شيخنا: قلت: قوله: " كأني أستدل به مع حديث غيره لا أنَّه حجة إذا انفرد " يفيد شيئين أحدهما: أنَّه جزء حجة، لا حجة، فإذا انضم إليه الحديث الآخر صار حجة وإن لم يكن واحدٌ منهما حجة فضعيفان قد يقومان مقام قوي. الثاني أنَّه لا يحتج بمثل هذا منفرداً، وهذا يقتضي أنَّه لا يحتج بالضعيف المنفرد، فإما أن يريد به نفي الاحتجاج مطلقاًً، أو إذا لم يوجد أثبت منه، وكلام القاضي وهو أبو يعلى محمد بن الحسين الفراء البغدادي الحنبلي المتوفى سنة ٤٥٨ هـ منقول بنصه مع تغيير طفيف من كتابه " العدة في أصول الفقه " ٣/ ٩٣٨ - ٩٤٤ بتحقيق الأستاذ الفاضل د. أحمد بن علي سير المباركي.
(١) في (ب) الجهل بالحديث.
(٢) انظر " إعلام الموقعين " ١/ ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>