للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان عبيد الله بن زياد كتب إلى الحر بن زيادٍ أن جعجع بالحسينِ، أي: ضيق عليه، ثم أمده بعمر بن سعدٍ المتكفِّل المتكلِّف بقتال الحسين عليه السلام، حتَّى يُنْجِزَ له عبيد الله الدعي ما سلف من وعدٍ، وهو أن يُمَلِّكَه مدينة الري، فباع الفاسق الرشد بالغي، وهو القائل:

أأترُكُ ملكَ الريِّ والريُّ مُنْيتي ... وأرجع يوماً ما بقتل حسين

فضيق عليه اللعين أشد تضييقٍ، وسد بين يديه وضح (١) الطريق، إلى أن قتله في التاريخ المقدم سنة إحدى وستين، ويُسمى عام الحزن، وقُتِلَ معه اثنان وثمانون رجلاً من أصحابه مبارزةً، وجميع ولده إلاَّ علي بن الحسين زين العابدين، وقُتِل أكثر إخوة الحسين وبني أعمامه:

لمحمدٍ سلّوا سيوفَ محمدٍ ... قطعوا بها هامات آل محمَّد

وفي هذا اليوم الذي قتل فيه الحسين على جده وعليه أفضل السلام، رؤي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجمع دم الحسين في قارورةٍ، وإن كانت رؤيا منام، فإنها صادقة، ليست بأضغاث أحلام، أسند ذلك إمام أهل السنة الصابر على المحنة، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، قال (٢): حدثنا عبد الرحمن، حدثنا حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس، قال: رأيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - نصف النهار أشعث أغبر، معه قارورةٌ فيها دم يلتقطه فيها، قلت: يا رسول الله، ما هذا؟ قال: " دم الحُسين وأصحابه، لم أزل أتتبعه منذ اليوم "، قال عمار: فحفظنا ذلك اليوم، فوجدناه قُتِلَ ذلك اليوم.

قال ابن دحية: هذا سند صحيح، عبد الرحمن: هو ابن مهدي، إمام أهل الحديث. وحماد: إمام فقيه ثقة، وعمار من ثقات التابعين، أخرج مسلمٌ


(١) في (ش): " أوضح " والوضح: الضياء والبياض.
(٢) ١/ ٢٤٢. ورواه أيضاً ١/ ٢٨٣، والطبراني في " الكبير " (٢٨٢٢) و (١٢٨٣٧)، والبيهقي في " دلائل النبوة " ٦/ ٤٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>