للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أموالهم وأنفسهم، وكان من يدعوهم إلى ذلك يدعوهم بحجة يُبْرِزُها، وكانوا متمكنين من إيراد ما يدحضها من غير ضررٍ عليهم، ولا مشقة عظيمةٍ تلحقهم، فلا بد أن يأتوا بها، ومتى لم يأتوا بها (١) دل على أنهم غير متمكنين من الإتيان بها (١).

قال الجاحظ، ثم الإمام المؤيد بالله: ألا ترى أن واحداً لو جاء وادَّعى النبوة في قومٍ وهم له كارهون، ولتكذيبه مجتهدون، فقال لهم: معجزي أن من كلمته منكم في هذا اليوم لا يمكنه أن يجيبني بكلمةٍ، ثم أخذ يكلمهم طول النهار من غير أن يجيبه أحدٌ منهم مع قوة دواعيهم إلى توهين أمره، وتوهين أصحابه عنه بإظهار كذبه، دلَّنا ذلك على أن جوابه قد تعذر عليهم وأن ذلك حجة له، وهذا مما لا يختلُّ على أحد أنصف من نفسه على ما قلنا.

وجملة هذا الباب أن كل من علمنا من حاله أنه لا يفعل فعلاً ما مع وفور الدواعي إليه، وقوة البواعث عليه، ومع ارتفاع الموانع عنه، وفَقْدِ الحواجز دونه، يعلم أنه لم يفعله إلاَّ لتعذُّره عليه، لولا ذلك لم يكن لنا طريقٌ من جهة الاكتساب يُتوصَّل به إلى العلم بتعذر شيء على أحد. انتهى بحروفه من كتاب الإمام المؤيد بالله في إثبات النبوات الذي أخذه من كلام العترة والشيوخ، ولا سيما كتاب الجاحظ المستجاد (٢) في هذا الباب، وفيما جمعه الإمام المؤيد بالله من ذلك عن العترة والشيوخ وسائر علماء الإسلام ما يطيب ويكثر، ويكاد يخرج عن الحصر من اجتماع الكلمة منهم على الاستدلال بتلازم الدواعي في الأفعال على ما نحققه هنا، ولكنا نقتصر على هذه الأربع المسائل على أن الواحدة منها كافيةٌ، فإن قليل البراهين العلمية في القوة مثل كثيرها. فهذه الأربع المسائل دلت على موافقة جميع المعتزلة في إيجاب الداعي مع بقاء الاختيار.

وأما موافقةُ الأشعرية على بقاء الاختيار مع القول بوجوب الداعي (٣)،


(١) في (أ) و (ف): به، وهو خطأ.
(٢) في (أ): السجاد، وهو خطأ.
(٣) في (ش): الدواعي.

<<  <  ج: ص:  >  >>