للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هم المعتزلةُ غير أبي الحسين وأصحابه، ومع غُلُوِّ المعتزلة في إنكاره قد صرَّحوا بتصحيحه في أربع مسائل مهمةٍ:

المسألة الأولى قالت المعتزلة: إن الله تعالى قادرٌ على فعل القبيح مع أنه لا يفعله قطعاً، ما ذلك إلاَّ لرجحان الداعي إلى تركه، وبطلان الصارف المعارض للداعي، ومن قال: إن الداعي مُوجِبٌ لم يزد على ذلك شيئاً، فإن الرازي -وهو من الغلاة في إيجاب الداعي- صرح في " النهاية " إنه لم يرد بالإيجاب نفي الاختيار، وأن القول بذلك خروجٌ عن الإسلام.

المسألة الثانية: احتجوا على أن أفعالنا لنا لا لله تعالى بوقوعها على حسب قصورنا ودواعينا، وانتفائها على حسب كراهتنا وصوارفنا، وهذا الدليل لا نسلم صحته إلاَّ مع القطع باستمرار هذا التلازم بين رُجحان الداعي (١) ووجود الفعل على وجهٍ لا يجوز وقوع (٢) خلافه في الخارج، إذ لو صح أن تكون أفعالنا في بعض الأحوال غير متوقِّفةٍ على دواعينا، لبطل الاستدلال، ومع تسليم استمرار التلازم يزول النزاع، فإنه الذي أراد من قال بأن الداعي موجبٌ.

المسألة الثالثة: احتجتَّ المعتزلة على ثُبوت التحسين والتقبيح عقلاً بأن من خُيِّرَ بين الصدق والكَذِب مع استواء الدواعي من كل وجهٍ إلاَّ أن أحدهما صِدْقٌ، فإن العاقل يختار الصدق ويفعله دون الكذب قطعاً بمُجَرَّد ترجيحه للصدق على الكذب (٣) المرجوح بمجرد قدرته عليه، وهذا هو عين مذهب الأشعرية.

المسألة الرابعة: احتجت المعتزلة وسائر (٤) المسلمين أن المشركين إنما لم يعارضوا القرآن الكريم لعجزهم عن المعارضة لا استحقاراً له، ولمن جاء به، ولذلك فإن (٥) العقلاء إذا دُعُوا إلى أمرٍ يكرهونه ويهون عليهم لدفعه وإبطاله بَذْلُ


(١) في (ش): الدواعي.
(٢) " وقوع " لم ترد في (ش).
(٣) من قوله " قطعاً بمجرد " إلى هنا سقط من (ش).
(٤) في (ش): على سائر، وهو خطأ.
(٥) في (أ) و (ش) و (ف): إن.

<<  <  ج: ص:  >  >>