للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَلِمَ من الرَّكاكتينِ في كِلْتا المقالتين.

قال الشهرستاني بعد قوله " إن الجويني فر من ركاكة الجبر ": والجبر لازِمٌ في كل تقديرٍ حتى الاختيار على المختار جبر.

قلت: هذا معنىً صحيحٌ، وقد قدمت ذكره في المرتبة الأولى، ولكنها عبارة مبتدعةٌ مكروهةٌ لأنها توهم خلاف الصواب، وهذا وَلَعٌ شديد بتسمية العبد مجبراً وإن لم يكن تحت هذه التسمية في الاختيار، كما ذلك دَأْبُ الرازي يطلقُ المجبر وهو يعني به المختار، ويقول: الصحيحُ هو الجبرُ، ويفسِّره بالاختيار (١)، وهذه مراغَمَةٌ للمعتزلة، وفيها مفسدةٌ بَيِّنَة، فإنها تُوهِمُ خلاف الصواب في اعتقاد أهل السنة، ويكون عُذراً للغالط عليهم في مذهبهم، وهذا وأمثاله هو الذي شبَّ نار الاختلاف، وبهَّج منار الاعتساف، وقد جوَّد الغزالي التحذير من هذا وأمثاله في مقدمة كتابه " الاقتصاد في الاعتقاد " فليطالع، فإنه مفيدٌ جداً.

وما الذي ألجأ الشهرستاني إلى القول بلزوم (٢) الجبر على كل تقدير، وهو الذي أبطل مذهب الجبر، وادعى الضرورة في فساده، وصرَّح بأن من وقف على كلامه في الإرادة هانت عليه تمويهاتُ الجبرية بهذه العبارة كما تقدم.

واعلم أن الأساس الذي ينبني عليه قول هذه الفِرقة الرابعة في عدم استقلال العبد بنفسه، هو القول بأن الداعي الراجح موجبٌ لوقوع ما دعى إليه بالاختيار لذلك من الفاعل. وهذا القول مُجْمَعٌ عليه عند البحث، وإن كان يروى فيه الاختلاف الشديد فإنما (٣) هو في العبارة كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى، وهو قول من قدمته من هاتين الطائفتين، وحكاه الرازي في " الأربعين " عن جمهور الفلاسفة، وهو اختيار الرازي.

وإنما ادعيت أن الخلاف فيه لفظي لأن القائمين بحرب أهله وتَعْفِيَة رسمه


(١) من قوله " ويقول: الصحيح " إلى هنا سقط من (ش).
(٢) في (أ): يلزم.
(٣) في (ش): وإنما، وهو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>