أخذ إذنٍ مِن صاحب المملكةِ على القيامِ بعملٍ مِنْ أعمالِ البِرِّ والسعي في أمرٍ مِن أمور الخَيْرِ، وقد تختلِفُ أنظارُ الصالحين، ومقاصِدُ العلماء، وأهل الدين في مثل هذه الأمورِ، وسيأتي لهذا مَزِيدُ بيانٍ في موضع هو أخصُّ به إن شاءَ اللهُ تعالى.
وثانيها: أن يكونَ أخذ الولاية على ذلك مِن الحسن بنِ علي عليهما السَّلامُ، فقد كان عليه السَّلام في ذلك الوقت مقيماً في المدينة، ولم يكن أبو هريرة رَضِيَ الله عنه يَجْهَلُ مكانَ الحسنِ عليهِ السَلامُ، ولا يَعْزُبُ عنه ما يجب له من المحبة والحقوق. وكان الحسنُ عليه السلامُ معروفاً بشدة الشفقة على المسلمين والرفقِ بهم، ولم يكن لِيَتْرُكَ أبا هريرة مستمرّاً على فعلٍ محرم في جواره إن وَجَدَ إلى هِدايته سبيلاً، فمع حِرْص الحسن وأبي هريرة على الخير، ومجاورتِهما كيفَ يُسْتَبْعَدُ أن يكونا قد خاضا في ذلك وعملا فيه وجهاً حسناً، ومحملاً صالحاً، وإن ثبت أنَّه تولَّى شيئاً من ذلك في عصر أمير المؤمنين علي عليه السّلامُ أمكنَ مِثْلُ ذلك، والحملُ على السَّلامَةِ متى أمكن، وجبَ لتحريم العملِ على ظنِّ السُّوءِ (١) بالمسلمين، ووجوب المدافعة له.
فإن قلتَ: هذا خِلافُ الظَّاهِرِ.
قلتُ: ليْسَ لِلأفعالِ ظاهرٌ، وإنما يكونُ الظهورُ في الأقوال، مثاله لو رُوي عن أبي هُرَيْرَةَ أنه قال: إني لم آخُذْ ولايةً من الحسن عليه السلامُ، ثم قلنا بعد ذلك: إن مِن الجائز أن يكونَ أخذ منه ولاية، وذكر ذلك تقيةً، فإن كلامَنَا حينئذٍ يكون خلافاً لِظاهر قوله.