وحفظها، بل كانوا لا يبحثون عن المسألة حتى تُعْرضَ، فإن عَرضت وهم يحفظون فيها شيئاً، حكموا به، وإن لم يكونوا يحفظون فيها شيئاً، سألوا عنه.
وتلخيص هذه الحجة أنْ نقول: إنّا نعلم بالضرورة من أحوال الصحابة -رضي الله عنهم- أنّهم ما كانوا يعتنونَ بجمعِ الحديث النبويِّ وحفظه ودرسه عن ظُهورِ قلوبهم، فإذا لم يجب حفطُهُ ودرسُه قبلَ تقييده بالكتابة، فكيف يجبُ بَعْدَ تقييده في الكتب، والأمان من ضيَاعه، والثقة بوجوده، وإنَّما كانوا يحفظون بعضَ القرآن، ويَدْرسونَه، والقليلُ منهم يحفظه كُلَّه.
فإن قلتَ: إنَّهم كانوا إذا سَمِعُوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً حفظوه بالمعنى.
فالجوابُ عن هذا من وجهين:
أحدهما: أنَّ محفوظ الواحد منهم كان لا يكفيه في الاجتهاد بحيثِ لا يجبُ عليه طلبُ غيره، وهذا القدرُ محفوظ لِكل مجتهد بعدَهم، وإنما كلامُنا في حفظ كتابٍ حافلٍ في أحاديثِ الأحكامِ يَغْلِبُ على ظنِّ الحافظ له أنَّه لا يُوجَدُ نصٌّ صحيح إلا وقد أحاطَ به، بحيث إذا وَرَدَتْ عليه الحادثة لم يجبْ عليه أن يَطْلُبَ مِن غيره المعارضَ ولا الناسخَ ولا المخصِّصَ، وإنَّمَا قلنا: إنّ الواحد منهم كان لا يحفظُ ما يكفيه، لأنّ ذلك هو الظاهرُ مِن أحوالهم، فإنَّهم كانوا يفزعونَ إلى السُّؤال عند حدوثِ الحوادِثِ مثل ما قَدَّمنا مِن قِصَّة أبي بكر مع الجَدَّةِ، وقصة عمر مع المجوس وأمثال ذلك، فإذا كان هذا أمير المؤمنين -عليه السلام- احتاجَ إلى حديثِ غيره، بل احتاج إلى حديث المتَّهَمِينَ الذين