للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحق، وأما أن تُحمل المشيئة المستثناة على مشيئة القَسْرِ والإلجاء، فهو باطلٌ بما تقدم.

ونزيد هنا وجهاً آخر وهو أنه يقتضي أن الله عزَّ وجلَّ أخبر المخاطبين من الكافرين أنهم لا يؤمنون خبراً مقطوعاً عن الاستثناء، وخبره سبحانه واجب الصدق، فلو آمنوا بعد ذلك، كان إيمانهم تكذيباً لخبره سبحانه، فيستحيل -والحال هذه- منهم الإيمان بصدق الله ورسوله، ويكون في تصديقه تكذيبه -تعالى عن ذلك- وهذا باطل، وما أدَّى إليه، فهو باطلٌ، فيلزم من ذلك بطلان التكليف أو تكليف ما لا يطاق، وليس هذا مثل قوله تعالى لنوح عليه السلام: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود: ٣٦] لأنه خطابٌ لنوح، لا للمشركين، فكأنه بمنزلة علم السابق المحجوب عن المكلَّفين، والفرق بينهما واضح، فإنه يبقى الابتلاء مع جَهْلِهم بذلك، ولا يبقى مع علمهم به، وقد أشار إليه ابن الحاجب في " مختصر المنتهى ".

وأما قوله في أبي لهبٍ: {سَيَصْلَى نَاراً ذاتَ لَهَبٍ} [المسد: ٣] فجعله ابن الحاجب مثل خبر نوح، كأنه التزم عدم بلوغه أبا لهب، وهو ممكنٌ، وفيه بعد، ويمكن عندي في ذلك أنه خرج مخرج الوعيد لا مخرج الخبر المحض عن الكائن في الاستقبال، وكل ما خرج مخرج الوعيد، فإنه مشروط بعدم التوبة كوعيد جميع العصاة، فيبقى معه الابتلاء صحيحاً، ولو لم يكن ذلك ظاهراً، فلا أقل من الاحتمال، ومعه يزول الإشكال.

على أنه وإن قال قائل من أهل السنة بجواز انقطاع الابتلاء من بعض العُصاة قبل الموت والاضطرار إلى الإيمان، فإنه يَصِحُّ على قواعد أهل السنة من [أن] الله تعالى {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: ٢٣] وله الحجة البالغة، والحكمة التامة فيما علمنا وجهلنا.

وأقوى ما ورد في ذلك قوله تعالى للشيطان: {لأمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ ومِمَّنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>