للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكتاب الله، ومن الذي ردَّ عليه ما قال، وبيَّن أن قوله (١) يؤدي إلى الضلال، والذي يرى كلام السيد مع جلالته يعتقد أنه لم يُجازف فيما لطخني به، وأنه أرفع منزلةً من أن ينسُب إلى أحدٍ ما لم يعلمه، فيظن بي ما ليس عندي، فليكن هذا حدّ السيد في نسبة الأباطيل إليَّ، وطرح الأكاذيب عليَّ.

المقدمة الخامسة: أن المجاز الذي في القرآن غير المتشابه، وذلك أن الله أخبر أنه لا يعلم المتشابه إلاَّ الله والراسخون في العلم على قول الجمهور من المتكلمين، والمجاز معروفٌ جليٌّ سابقٌ إلى الأفهام مع القرينة، فإن العربيَّ الجِلْفَ، المكبَّ -لغباوته- على عبادة الأصنام إذا سَمِعَ قوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: ٢٤] لا يعتقد أن للذُّل (٢) جُناحاً حقيقياً أبداً، وكذا إذا سَمِعَ قوله تعالى: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَه} [الكهف: ٧٧]، فإنه لا يعتقد أن الجدار يعزِمُ على الانقضاض، ويريد ذلك.

فإذا ثبت أن الكل من عامة أهل اللِّسان العربي يعرفون معنى ذلك، لم يَجُزْ أن يكون ذلك هو (٣) المتشابه الذي لا يعلمه إلاَّ الراسخون، وكثير من المجاز المتعلق بصفات الله تعالى من هذا القبيل الذي لا يستحق أن يسمى متشابهاً.

فإن قلت: فما الميزان المعتَبَرُ في الفرق بينهما؟

قلت: كل مجازٍ قرينة التجوز فيه ضروريةٌ أو جليةٌ غير خفيةٍ، فليس من المتشابه، وكل (٤) مجازٍ قرينته تنبني على قواعد نظريةٍ دقيقةٍ لا يعرفها إلاَّ الخاصة من العلماء، فهو متشابهٌ، فتأمل ذلك، فإنه نفيس الفوائد وغزير المعارف.

المقدمة السادسة: سوف يأتي إن شاء الله أن القرائن الدالة على المجاز ثلاثٌ: عقليةٌ وعرفيةٌ ولفظيةٌ.


(١) في (ف): " أنه ".
(٢) " أن للذل " ساقطة من (ش).
(٣) في (ف): " من ".
(٤) في (ف): " فكل ".

<<  <  ج: ص:  >  >>