فإذا تقرر أن المواهب الربانيّة لا تنتهي إلى حد، والعطايا اللَّدُنيَّة لا تَقِفُ على مقدار، لم يَحْسُنْ من العاقل أن يقطع على الخلق بتعسيرِ ما اللهُ قادِرٌ على تيسيره، بل لم يلِقْ منه أن يِقطعَ بتعسير ما لم يَزَلِ الله -سبحانه- يُيسره لِكثير من خلقه، فيُقَنِّطُ لكلامه طامعاً، ويتحجَّرُ من فضل الله واسعاً، ويُفتَّرُ بتخذيله همةً ناشِطة، ويَفُلُّ بتقنيطه عزيمةً قاطعة، بل يخلِّي بينَ الناسِ وهمَمِهم وطمعِهم في فضل الله عليهم، حتى يَصِلَ كلُّ أحدٍ إلى ما قسَمَهُ الله له من الحظِّ في الفهم والعلم، وسائر أفعال الخير. وهذا مما لا يحتاج إلى حِجاج، ولا يفتقِرُ إلى لَجاج.
التنبيه الثالثُ: التعرضُ لمقادير المَشَاقِّ التي في أنواعِ التكاليف والعبادات من الصلاة والزكاة والتلاوة والصيام والحج والجهادِ والعلم والفُتيا، وسائِرِ الأعمال الصالحة، ومتاجر الخير الرابحة، مما لم تجرِ عادة الأنبياءِ -عليهم السلام-، ولا الأئِمَةِ، ولا العلماءِ، ولا الوعاظِ، ولا سائرِ الدعاة إلى الله تعالى -بالحكمة والموعظة الحسنة- أن يُهوِّلوها، ويُعظِّموا التعرضَ لفعلها، وُيعسِّروا الإحاطة بشرائطها؛ من الإخلاص، وعدم العُجْب، والتحرز من الإحباط؛ فإن في الجهاد التعرضَ لفواتِ
= " الإصابة " ومن حديث جابر بن عبد الله الطبراني في " الأوسط " كما في " المجمع " ١/ ١٣٨، ومن حديث زيد بن خالد الجهني ابن عساكر في تاريخه كما في "الجامع الكبير" ص ٨٥٣ ومن حديث عائشة الخطيب في " المتفق والمفترق " كما في " الجامع الكبير " ص ٨٥٣، ومن حديث سعد بن أبي وقاص الطبراني في " الأوسط " كما في " المجمع " ١/ ١٣٨.