في الإنكار عليه الطريقة العُسرى، كأنما اغتصبَ أموالَكم قَسْراً، أو ادعى نظير معجزة الإسرا.
التنبيه الرابع عشر: أنكم أوجبتم على كلِّ مكلف -من حر وعبد وذكر وأُنثى، وبليد وفطين، وقاريءٍ وأُمي- أن يَعْرِف الله، وصفاتِه، وسائرَ مسائل الاعتقادِ المعروفة بالدليل الصحيح المحرَّر معناه في علم الكلام مِن غير تقليد للمتكلمين في ذلك الدليل، وإن لم يَعْرفْ عبارتهم بعد أن عرف معناها. ولسنا نُنْكِرُ إيجابَ المعرفة لله -تعالى- فنحن نقول به، ولكن نكرر عليك أنك اعتقدت أن معرفة تلك الأدلة مُتَسَهِّلة على العامَّةِ، والنساء والإماء والعبيد، والفلاحين، وجميع أهل البَلادَة والغباوة، وَقطَعْت أن ذلك غيرُ متعذِّر عليهم.
وأما معرفة محمد بن إبراهيم لمسائل يسيرة فروعية؛ فلم يُمكنك القطعُ بأنها متعسرة، بل شَكَكْت أنها متعذرة أو متعسِّرة، مع أن تلك المسائل التي لم يُرخَّصْ لأحدٍ التقليدُ فيها، هي (١) محارَاتُ الأذكياء، ومواقفُ الفُطنَاء، ومداحِضُ الأقدام، ومهاوي الأفهام، وفيها مسائلُ الوعدِ والوعيد، والولاءِ والبَراء والأسماء والإمامات، وهذه هي سمعيات محضة، ولا يسْلَمُ الخائضُ فيها من التقليد ما لم يعرف ما يتعلَّق بها من العربية، وعدم المُعارض والمُخَصِّصِ، وفي الولاء والبراء والإمامات.
ولا بُدَّ مع ذلك مِن معرفة عدم النسخ، وذلك لا يَصِحُّ إلا بَعْدَ البحث الكثير. فما بالُ هذا أمكنَ جميع المكلفين، ولم يتعذَّرْ عليهم، وأما محمد بن إبراهيم، فتعذَّرَ عليه ما هو أهونُ مِن هذا مع اشتغاله بالعلم منذ عَرَف يمينَهُ من شمالِهِ.