للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا عند جميع المفسرين، بل العقلاء أجمعين، لشدة كراهة الله وبراءته منه وغضبه على مرتكبه، ولو كان قولهم هذا العظيم القبح من الله، وهو مرادٌ له محبوب مرضيٌّ، لم يُستفصح ولا يُستبلغ هذا الكلام ولا حَسُنَ هذا المذكور من هذه المخلوقات المطيعات الموافِقات لمولاهُنَّ.

النوع الخامس والعشرون: قال الله تعالى: {وآخَرونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهم} [التوبة: ١٠٢]. وثبت في الحديث الصحيح " أن سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلاَّ أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلاَّ أنت " (١).

أجمع العلماء على أن تفسير أبوء بذنبي: أُقِرُّ وأعترف، نص على ذلك أهلُ السنة كالنواوي في " الأذكار " و" رياض الصالحين " و" شرح مسلم "، وابن الأثير في " النهاية " و" جامع الأصول ".

فثبت أن القرآن والسنة والإجماع والعقول تطابقت على حُسْنِ اعتراف المذنب بذنبه، وأنه من أسباب المغفرة، وإنما بقي الكلام في تفسير الاعتراف: هل معناه اعتراف المذنب أن الذنب منه، أو اعترافه أنه ليس منه؟

فإن قال الخصم بالأول (٢) انقطع النزاع، واجتمعت الكلمة على تقبيح القول بأن الكفر من الله.

وإن قال: إنَّ الاعتراف في لغة العرب التي نزل عليها كتاب الله، وكانت لغة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو قول المذنب: إن الذنب ليس منه، عرفنا أنه معانِدٌ لا يستحق المناظرة.


(١) أخرجه البخاري (٦٣٠٦) و (٦٣٢٣) وغيره من حديث شداد بن أوس، وصححه ابن حبان في " صحيحه " (٩٣٢) و (٩٣٣)، وانظر تخريجه فيه.
(٢) " بالأول " سقطت من (أ).

<<  <  ج: ص:  >  >>