للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن ادَّعى إنه يمكنه إيرادُ أدلةٍ من القرآن والسنة ولغة العرب أن الاعتراف بالذنب هو الانتفاء منه، فليأت بها منسوبةً إلى مواضعها المعروفة كما فعلنا في أدلَّتِنا، فمرحباً بالوِفَاقِ، فإنه ليس بين المسلم وبين الحق عداوةٌ، والله تعالى عند لسان كل قائل، وهو الهادي إلى الصواب، لا إله إلاَّ هو.

فإن رجع إلى أن العاصي وقدرته من الله، وأمثال ذلك، قلنا: هذا صحيح ومُجْمَعٌ عليه، ولكن ليس شيءٌ من ذلك يُسَمَّى ذنباً للعبد، وإنما كلامنا في القدر المختص بقدرة العبد عند أهل السنة المُسَمَّى ذنباً وكفراً وقبيحاً وفاحشةً، وأقل من هذا يكفي المُنْصِفَ، وأكثر منه لا يكفي المتعسِّف (١).

وليس يَصِحُّ في الأذهان (٢) شيءٌ ... متى (٣) احتاج النهارُ إلى دليلِ (٤)

وقد كنت بسطت في هذه المسألة أكثر من هذا حتى سَئِمْتُ مع نشاطي، فظَنَنْتُ أن غيري أكثر سآمةً للتطويل مني، فاقتصرت خوف التنفير، وهذه الوجوه تُرَجِّحُ للسني قول الإمام المتفق على إمامته لفظاً ومعنى أبي المعالي الجويني، أحد أئمة أهل السنة، فإنه اختار أن فعل العبد أثر قدرته بمشيئة الله تعالى لتمكينه وسابق تقديره وتيسيره بالدواعي المقرونة بالحكمة والعدل، كما هو مُحقَّقٌ في موضعه من هذا الكتاب.

ومما قلتُ في ذلك:


(١) في (أ): التعسف، وهو خطأ.
(٢) رواية " الديوان ": في الأفهام.
(٣) في (ش) و" الديوان ": إذا.
(٤) البيت لأبي الطيب المتنبي من مقطوعة تشتمل على سبعة أبيات وهي في ديوانه ٣/ ٩٠ - ٩٢ بشرح العكبري، قالها وقد حضر مجلس سيف الدولة الحمداني وبين يديه أترج وطَلْع، وهو يمتحن الفرسان، فقال لابن شيخ المصيصة: لا يتوهم هذا للشرب، فقال أبو الطيب هذه القصيدة وأولها:
شديدُ البعد من شرب الشَّمُولِ ... تُرُنجُ الهند أو طَلْعُ النخيلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>