للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الراسخين تأويله أم لا؟ مع اتفاقهما على أن ظاهرهما متروكٌ، وعلى أنه إذا لم يكن عند أحدٍ من الراسخين له تأويلٌ، فإنه مردودٌ.

وهذه الصورة هي صورة ما بيني وبين السيد من الخلاف في بعض الأحاديث، فينبغي منه ومن غيره التنبيه على أنه ليس بيننا وبينه من الخلاف ما يَجِلُّ خطرُه، ويعظم أثره، إذا وافق على هذا الحد، فإن كثيراً من البُلداء إذا سمع بالمراسلات والمنازعات توهَّم أن ذلك لا يمكن إلاَّ مع تفسيقٍ أو تكفيرٍ، وذلك غير صحيح، ولو شاء أهل العلم وسَّعُوا القول في أدنى المسالك، وقد صنَّف كثيرٌ من العلماء مصنَّفاتٍ كباراً في مسائل فروعيةٍ ولطائف أدبيةٍ.

المقدمة الرابعة: أن السيد أيده الله تعالى جنى عليَّ جنايةً عظيمةً، فنسبني إلى القول بنفي التأويل، وأنا ما قلتُ بذلك في الكتاب الذي اعترضه السيد، والذي قلت به فيه: إن التأويل لا يحِلُّ لي، لأنِّي من الجاهلين به، ولست من الراسخين فيه، مع الإقرار فيه بالتأويل للراسخين، فإن كان السيد يوجب العلم بالتأويل على جميع المكلَّفين من الإماء والنِّساء والحرَّاثين، وأهل الحِرَفِ من الصُّنَّاع، وسائر طبقات المسلمين، فهذا مذهبٌ له وحده لم (١) أعلم أحداً يُوافِقُهُ عليه، ولا يلزمني أن أوافقه فيه.

وما زالت العلماء من المسلمين يجهلون التأويلات الدقيقة، ولا يدرُون بشيءٍ من تلك المغاصات العميقة، ولم ينكر ذلك عليهم أحدٌ من الأئمة عليهم السلام ولا أئمة الإسلام، وإيجاب ذلك عليهم يقتضي إيجاب المعرفة التامة بعلوم الأدب على كل مكلَّفٍ، وهذا خلاف الإجماع، وقد ذكر الزمخشري: أن التفسير يحتاج إلى التبريز في علمي المعاني والبيان (٢)، ولا شك أن ذلك غير واجبٍ على العامة، بل كثيرٌ من أهل الإسلام عجمٌ، لا يجب عليهم تعلُّم الجليِّ من كلام العرب.


(١) في (ف): " لا ".
(٢) انظر " الكشاف " ١/ ٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>