للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن كان السيد يعرف أن العلم بالتأويل من خصائص الراسخين في العلم، كما قال الله على أحد القولين، فأنا ما أنكرتُ هذا في ذلك، فكيف ينسِبُني السيد إلى نفي التأويل على الإطلاق، ولم يزل سامحه الله يبني الردود في رسالته على مجرَّد التَّوهمات الواهية، ولولا محبة الرِّفق، لتكلَّمت في هذا الموضع بما يليق بمقتض الحال، فقد قال الله تعالى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِم} [النساء: ١٤٨]، ولكني أرجو أن آخذ نصيباً من العمل بقوله: {وأن تَعفُوا أقْرَبُ للتقوى} [البقرة: ٢٣٧].

ولو لم أنصَّ على خلاف ما حكى عني في كتابي الأول الذي رسالته جوابٌ له، لعذرته بعض المعذرة، ولكني صرَّحتُ في كتابي الأول بخلاف ما رماني به تصريحاً لا يخفى مثله، ولا يمكن تأويله، وأقل أحوال المجيب أن يدري (١) بما في المبتدأ (٢) ولا يتسرَّع إلى القول بما لا يعلم.

وأنا أُوردُ كلامي في المبتدأ بلفظه حتَّى يعرف السيد أنه قد أكثر من الجنايات علي في جوابه بمجرد تخيُّلاته وأوهامه.

قلت: في كلامي المبتدأ ما هذا لفظه: وإن كانوا أنكروا القراءة في كتب الحديث، لِمَا فيها من المتشابه، فالقرآن مشحونٌ بالمتشابه، فهلاَّ نَهَوْا عن محبة قراءة القرآن، وزجروا المتقدمين في حفظ الفُرقان، وإن كانت نفرتهم منه لعدم تمكنهم من معرفة معانيه، وقلة معرفتهم لشرائطه ومبانيه، وتعثُّرهم في ميادين تأويله، وتحيُّرِهم في مسالك تعليله، فلا ذنب للحديث ولا لحَمَلَته في غباوتهم، ولا عَيْبَ عليه ولا على طلبته في بلادتهم (٣)، وتأويل المتشابه لا يعلمه إلا الله تعالى في أحد القولين، والراسخون في العلم على القول الآخر، فمن لم يكن من الراسخين في العلم، لم يتضجَّر من عدم معرفته للدقائق، ويقيِّد


(١) في (ف): " يعلم ".
(٢) عبارة " بما في المبتدأ " ساقطة من (ف).
(٣) في (ف): " بلادهم "، وهو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>