وأما الحُجَّتَانِ فإحداهما: أنَّه قال: يجوزُ أن يكونَ الإمامُ مُقَلِّداً، والأخرى: أنَّه صنف كتاباًً للمستظهرِ، والكلامُ في ضعف هَاتَيْن الحُجَّتَيْنِ يظهر بذكر مباحِثَ.
البحث الأول: لو طَرَّدَ السَّيِّدُ القياسَ في هذا التحريج، لادَّعى على الأمَّةِ بأسرها ما ادَّعى على الغزالي مِن تعسيرِ الاجتهاد حين أجاز التقليدَ للإمامِ مع نَصَّه الصَّريحِ على تسهيل الاجتهاد، وذلك لأن الأمة قد أجازت التقليدَ للعوام، فلو صحَّ كلامُ السَّيِّد في حقِّ الغزالي، لصح أيضاًً أن يقولَ: لو كان الاجتهادُ سهلاً عند الأمة، لأوجبوه على كُلِّ مُكَلَّفٍ، ولقالوا: إنه يكفيه أن يَقْرَأ مختصراً مختصراً في كُلِّ فن إلى آخر استدلاله، فإنه يصح الاستدلالُ به في حقِّ الأمة مثل ما يَصِحُّ مثلُه في حقِّ الغزالي.
البحث الثاني: هذا تجريحٌ مِن السَّيِّدِ للغزالي، والتجريحُ له شرائطُ معروفة، وهو ينقسِم إلى أقسامٍ محصورة، فيتأمل السَّيِّدُ كلامَه مِن أيِّ أقسامِ التجريح الصحيحة.
البحث الثالث: سلَّمنا أنَّه تجريحٌ صحيحٌ، لكنه مخالِفٌ لنص الغزالي الصريحِ الذي حكاه السَّيِّدُ، ولا معنى للتجريح مع وجودِ النص، لأنَّه إن لم يعمل به، فلا معنى للاشتغال به، وإن عَمِلَ به، فإما أن يُقال: هو أرجحُ مِن النص، فهذا عنادٌ، أو يُقَال: النصُّ أرجَحُ، فالاشتغالُ بالمرجوح، وتركُ الراجح قبيح.