للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر القاضي: أبو بكر بن العربي المالكي (١) في " عارضة الأحوذي في شرح الترمذي " اختلاف الناس في المسلم والمؤمن، وفي اشتقاق اسميهما، واختار أن المسلم من أسلم نفسه من عذاب الله، والمؤمن من أمَّنَ نفسه منه.

وهذا يدلُّ على أن الفاسق لا يُسمَّى مؤمناً على الإطلاق عندهما، سلمنا أنه يسمى بهذا الاسم مؤمناً عندهم مطلقاً أو عند بعضهم، فإن من تُسمِّيه بذلك لا يعني أنه صالحٌ عَدْلٌ، ولا نُسَوِّي (٢) بينه وبين أهل العدالة والصِّيانة، ومن المعلوم بالضرورة أنهم يجرِّحُون الفاسق المصرِّح في الشهادة والرواية، وأنهم يفضِّلُون بعض المؤمنين على بعضٍ (٣) مثل تفضيلهم للخلفاء الراشدين على مَنْ بعدَهم.

وبالجملة (٤): فلا حاجة إلى التطويل بذكر ما يدلُّ على مذهبهم في ذلك.

فهو معلومٌ بالضرورة والتواتر، ومُنكرهُ لا يزيد على النداء الصريح على نفسه بأنه من جملة الخرَّاصين، وأفحش الكذابين، لأن أهل الكذب خَذَلهُمُ الله تعالى إنما يكذبون في المواضع الخفية التي تمضي فيها أقوالهم الفريَّة.

وقد تقدَّم الجواب على مثل هذا في مسألة المتأوِّلين مستوفى، فخذه من هناك، فإني لم أقتصر على هذا القدر إلاَّ لأنِّي استوفيتُ الجواب هناك.

الوهم الحادي والعشرون: قال: ومن سوَّى بين هذا الكافر وبين أفاضل المسلمين، أو قال: بأنه يدخل الجنة، فقد ردَّ ما هو معلومٌ ضروةً من الدين.

أقول: أما التسوية بينهما، فالقوم قد صرحوا بأنهم ما سوَّوا بينهما، وذلك


(١) هو الإمام العلامة الحافظ القاضي صاحب التصانيف أبو بكر محمد بن عبد الله الإشبيلي كان ثاقب الذهن، عذب المنطق، كريم الشمائل، ولي قضاء إشبيلية، فحُمدت سياسته. ارتحل إلى مصر ودمشق وبيت المقدس وبغداد. وتوفي سنة ٥٤٣ هـ. انظر ترجمته في " السير " ٢٠/ ١٩٧.
(٢) في (ب): سواء.
(٣) في (ش): بعضهم.
(٤) ساقطة من (ب).

<<  <  ج: ص:  >  >>