للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاجتهاد في مصنفاتهم وتآليفهم مجردةً عن التَّعسير له، والتَّنفير عنه، واستبعادِ إدراكه، والحثِّ على العكوف على التقليد، والإضراب عن الاجتهاد بالمرَّة، وهذه تصانيفُ العلماء -أرنَا أيُّها السَّيِّد أيَّدَك الله- مَنْ سَبقك إلى التنفير من الاجتهاد، والحث على التقليد؟!. وذلك لأن العُسْرَ واليسر أمرُهُما إلى الله تعالى، واللهُ -سبحانه- إنما أخذ على العلماء أن يُبَيِّنُوا ولا يَكتُمُوا، ولم يَأخُذْ عليهم أن يُعسِّرُوا ولا يُسَهِّلُوا، فلو أن السَّيِّد -أيَّدهُ الله- ذكرَ شروط الاجتهاد، وأودعها مُصَنفاً، أو أوقفني على ذكرها مُبيَّنةً بأدِلتِها، وحثَّ عليها، أو سكت مَن الحثِّ على الخير والتنفيرِ عنه، لكان له فيهم أُسْوَةٌ حسنة، ولكان ذلك أشبة بطرائق المتهادين للنَّصائح، وأقربَ إلى فعل السَّلَف الصَّالح.

التنبيهُ الرَّابعُ: كان اللائقُ بالسَّيِّد -أيَّده الله تعالى- أن يذكر الشرط الذي خالفتُ فيه العلماءَ، فيقول: أنت قلت: إن علم العربية ليس بشرط، أو معرفةَ الأصول، أو معرفةَ الحديث، أو غيرَ ذلك، أن كان عَلِم بخلافٍ لي في ذلك، حتى يُبين لي أني قد خالفت الإجماعَ، وخرجتُ إلى حَدٍّ أسْتحِقُّ بِه الإنكار.

أما إذا قلت: إن تحصيل شرائطِه المعروفة متيسرة على أهل الذَّكاء والهِمَمِ، فما وجهُ التَّرسُّلِ في هذا، والتطويل والتكثير فيه، والتهويل، وطلب البراهين القاطعات والتعرض للمعارضات والمناقضات؟! الأمرُ أهونُ مِن أنْ تلتقيَ الشفتانِ بذكره، وتجريَ الأقْلَامُ بِسطْرهِ. والذي يليق من الحليم تهوينُ العظائم، لا تعظيمُ العظائم؛ على تسليم أنَّ ذلك شرط عظيم، وعوائد الحكماء جارية بهذا، وكتبهم ناطقة به، ولهذا قيل:

إذا ضيَّقْتَ أمراً زاد ضِيقاً ... وإنْ هوَّنتَ ما قَد عَزَّ هانا

<<  <  ج: ص:  >  >>