للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموحد للمغفرة من غير توبة، واستحقاق المشرك ألا يغفر له إلاَّ بالتوبة، وهذا أيضاً مَنٌّ، ولله الحمد.

فإن قيل: ما ذكرتم من بطلان فائدة التقسيم للذنوب إلى شركٍ وما دونه على كلام الشيخ غير مُسَلَّمٍ، لأنه يمكن أن تكون (١) الفائدة فيه تعظيم الشرك بنفي المغفرة له مطلقاً، لأن الآية مَسُوقَةٌ لتعظيم ذنب المشرك، فلم يقتض هذا المقام التصريح بمغفرته مع التوبة، لمنافاته المقصود.

فالجواب من وجوهٍ:

الأول: أن تعظيم الشرك بإيهام ذلك، وإرادة ذلك الإيهام أمرٌ محال، ولو صحَّ، لكان قبيحاً، لا يجوز على الله تعالى. أما أنه أمر محالٌ غير ممكن، فلأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأكثرَ الرسل بُعِثُوا والأرض طافحةٌ بالشرك، داعين للمشركين إلى التوبة من الشرك، وقد علم المشركون ذلك ضرورةً من أديان الرسل، ولا يمكنُ إيهامُهم ذلك، ولا يرتفع عنهم ذلك العلمُ الضروري إلاَّ بنصٍّ جليٍّ وذلك لا يجوز عند الخصم، لقبحه عقلاً وشرعاً، ولو ورد نصٌّ بذلك، لكان فيه إفحامُ الرسل الداعين للمشركين إلى الإسلام، وإلزامهم المناقضة.

الثاني: أن نفي المغفرة لا يستلزم نفي قبول التوبة، لأنهما متغايران لغةً وشرعاً، بدليل قول الله سبحانه وتعالى: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} [غافر: ٣]، {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى: ٢٥]، وإنما بَنَوا ذلك على زعمهم في تأويل الآية، وهو ممنوعٌ من الأصل.

الثالث: أن تشبيه الشرك بما لا يغفر بالتوبة لا يصح؛ لعدم المشبه، وعدم إمكانه، فإنه ليس في الذنوب ما لا يغفر، وشرط صحة التشبيه وجود مشبَّهٍ به وإمكانه (٢)، وقد صرحوا بذلك في توجيه كلام الزمخشري.

الرابع: أن ذلك إيهامٌ قبيحٌ عقليٌّ على الله، وذلك لا يصحُّ، ولو صح ما


(١) " تكون " ساقطة من (ش).
(٢) في (ف): " أو إمكانه ".

<<  <  ج: ص:  >  >>