للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَسُنَ على قواعد الخصوم.

الخامس: أن مجرد الوعيد من غير ذكر توبة لا يقتضي إيهام ذلك، فقد ورد ذلك في الكتاب والسنة على جميع المعاصي، ولم يقتضِ إيهام ذلك ولا أوهمه، ولا قال بذلك أحدٌ من مُفسِّري كتاب الله تعالى، كقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} [الجن: ٢٣]. بل قد جاء الوعيد على مثقال الذرة غير مقرونٍ بالتوبة، كما في سورة الزلزلة، وإنما ترك ذكر التوبة كثير، ولم تذكر التوبة عند كل وعيد، لأن قبولها معلومٌ ضرورة من أديان الأنبياء، وثابتٌ في غرائز العقول، وفِطَن العقلاء عند الخصوم، وإذا تعارضت الأقوال في تفسير الآية، كانت أقوال الصحابة مقدمة عند أهل الإنصافٍ، فإن أفهامهم كانت سليمةً، وعقائدهم مستقيمةً، ولم تكن بالابتداع مريضةً، ولا سقيمةً، وقد نقل الجميع عنهم أن هذه الآية الكريمة سرَّتهم، وفِرحُوا واستبشروا بها كما تقدم ذلك عن أمير المؤمنين علي عليه السلام: وعن ابن عباس تُرجمان القرآن، وحبر الأمة وبحرها، وعن عبد الله بن مسعود، وابن عمر رضي الله عنهم، وحديث ابن عمر يقتضي رواية ذلك عن الصحابة أجمعين، ولا شك أن فهمهم صحيحٌ، بل حجةٌ، ولذلك كانت آثارهم مذكورة في تفسير القرآن بإجماع المسلمين، دون أقاويل من تأخَّرَ من جميع أهلِ الدعاوى، وتفسير القرآن (١) لمجرد التجويز والاحتمالات حرامٌ عقلاً وسمعاً.

أمَّا العقل، فلأنه لا يجوز الإخبار عن زيدٍ بأنه في الدار، لمجرَّدِ احتمالِ ذلك، فكيف الإخبار عن معاني كلام (٢) الله الذي هو المفزع.

وأما السمع، فلقوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: ٣٦]، ولحديث ابن عباسٍ وجُندُبٍ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تحريم التفسير بالرأي، وقد تقدم ذكرُ


(١) في (ش): " وتفسير أهل القرآن "، وهو خطأ.
(٢) في (ف): " كتاب ".

<<  <  ج: ص:  >  >>