للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك مستوفىً، ولأن تفسير الصحابة هؤلاء هو السابقُ إلى الأفهام، ولا يشك كل سليم الفهم والطبع أن الآية مسُوقةٌ للفرق بين الشرك وما دونه، وجرب ذلك في كل من يتلقَّن خلافه من أسلافه وأصحابه، ويتعصَّب لمذاهب آبائه وأترابه، فنسأل الله الهداية والتوفيق وهو حسبي ونعم الوكيل.

ولأن تفسير الصحابة وأهل السنة من قبيل تخصيص العام، وهو صحيحٌ بالإجماع، كثير بالإجماع، لا تكلُّف فيها ولا شذوذ، حتى قيل: إن كل عمومات القرآن مخصوصةٌ إلا: {وهو بكل شيءٍ عليمٌ} [الأنعام: ١٠١]، وحتى قيل: إن إطلاق العام على الخاص حقيقةٌ لا مجاز، وقد تأولت الوعيدية هذه الآية الكريمة مع خصوصها وبيانها وتأخرها -كما تقدم بيانه- بأنواع من التأويلات المتعسِّفة التي لا تحتاج إلى العناية في بطلانها، وإنما أوضحت الرد على الزمخشري، لأنه في العربية إمامٌ كبيرٌ، لا يظن بمثله ما اختار لنفسه من ذلك القول الساقط.

ومما ينبغى التعرض لذكره بعده من تأويلاتهم (١) تأويل الشيخ محمود بن الملاحمي، فإنه زعم أن الآيتين محمولتان على عذاب الاستئصال، واستدل بما قبلهما فأبعد (٢)، فإن ما قبل الأولى يُوجِبُ أنه قد وقع الخُلْفُ، وما قبل الثانية ذكر جهنم، وفسَّر التوبة (٣) بغير حجةٍ، ذكر تأويله هذا الإمام يحيى بن حمزة عليه السلام في " التمهيد " والجواب عنه من وجوه:

الأول: أن هذا التأويل وأمثاله خلاف المعلوم ضرورةً لأهل البحث التام عن الأخبار النبوية، والآثار الصحابية، وسوف يظهر للمتأمِّل المنصف تواتُرُ ذلك بتأمل ما في هذا الكتاب وحده من ذلك، فقد اشتمل على ثلاث مئة حديثٍ في الرجاء، وكثيرٌ منها فيه التصريح بخروج الموحِّدين من النار. فرواة هذا النوع وحده بلغُوا حد التواتر، وزادوا عليه، ولا خلاف في تقديم التأويل


(١) في (ش): " بعد تأويلاتهم ".
(٢) في (ش): " فما بعد " وهو خطأ.
(٣) في (د) و (ف): " التولية ".

<<  <  ج: ص:  >  >>