للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنصوص الصحيح الآحادي على مجرد الاحتمال النظري، فكيف بالنصوص المتواترة؟ على أنه خلاف المعلوم ضرورةً للجميع، فإن كثيراً من المشركين -أو أكثرهم- ما عُذِّبُوا في الدنيا عذاب الاستئصال، وإنما عُذِّبَ به بعض من عاصر الأنبياء عليهم السلام، وهذا نبينا محمد صلوات الله عليه الذي أنزلت عليه هاتان الآيتان لم يعذِّب من عاصره منهم عذاب الاستئصال، بل كان حربُه لهم سجالاً، وهؤلاء خصومه اليهود والنصارى في ذمته إلاَّ من أبى، مع قولهم بأعظم الشرك من نسبة عيسى وعزير إلى أنهما ولدان لله سبحانه وتعالى عما يقولون علوَّاً كبيراً.

الثاني: أنه مصادم للنصوص النبوية الواردة بنقيضه، فإنها وردت لمخالفة ذلك على وجوهٍ شتَّى، ومن أصرحها ما رواه مسلم في " الصحيح " في التوبة منه من حديث همَّامٍ، عن قتادة، عن أنسٍ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولفظه: " إن الله لا يظلم المؤمن حسنةً يُعطى عليها في الدنيا ويُثابُ عليها في الآخرة، وأما الكافر، فيُطعَمُ بحسناته في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة، لم يكن له حسنةٌ يُعطى بها خيراً " (١).

وعن علي عليه السلام، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحو ذلك في تفسير قوله تعالى: {وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كَسَبَتْ أيديكم} [الشورى: ٣٠]. رواه أحمد، والترمذي، والحاكم في " المستدرك " وصححه، وقال: خرَّجه إسحاق بن راهويه في تفسيره (٢).

وخرَّج الحاكم نحوه من حديث طارق بن شهابٍ عن ابن مسعود، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكره في كتاب القراءآت في قراءة النبي منها، أول كتاب التفسير، وقال: صحيح الإسناد (٣).


(١) تقدم تخريجه ص ١٥٧ من هذا الجزء.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) " المستدرك " ٢/ ٢٥٣، ورد تصحيحه الحافظ الذهبي بقوله: عتبة (هو ابن يقظان أحد رواته) واهٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>