للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فنصوصهم الصريحة المتواترة، بل صرح الرازي ببقاء الاختيار في المعنى مع لزوم الجبر في اللفظ كما مضى (١).

وقد قصدت تكثير النقل لألفاظ الأشعرية في إثبات الاختيار ليُقابَلَ جحد بعض المعتزلة لذلك، وقد تقدم طرفٌ من ذلك، وأُرِدفُه هنا وفيما بعد بما يوجب الاضطرار إلى العلم باتفاق مقاصدهم على ذلك.

أما هنا فأُورِدُ كلام الرازي في " نهاية العقول "، لأنه من الغُلاة في تصحيح الجبر والمصرِّحين به، ومع ذلك فقال في مسألة خلق الأفعال من " النهاية " ما لفظه: قوله: الممكن يحتاج إلى المرجِّح في حق القادر أم في حق غيره؟

قلناة على الإطلاق، إلى أن قال: قوله: الهارب من السَّبُعِ يختار أحد الطريقين لا لمرجِّحٍ.

قلنا: لا نُسلِّمُ، بل الله تعالى يخلق فيه إرادةً ضروريةً لسلوك أحد الطريقين دون الآخر، فأما إن لم يخلقها فيه توقَّف، كما أنا توافقنا على أن الله تعالى لو خلق فيه صارِفاً عن العدو، فإنه يترك العدوَّ والفِرار.

إلى أن قال في تجويز أسئلة المعتزلة: قلنا: هذا الكلام يقدح في كون الله تعالى فاعلاً مُوجِداً، بيانه: أن صدور الفعل عن قادريَّتِه إما أن يتوقف على داعٍ مرجح أو لا، فإن لم يتوقف فلم لا (٢) يجوز مثله في العبد، وإن توقف، فإما أن يكون حصول ذلك الفعل واجباً مع ذلك المرجِّح أو لا، فإن كان واجباً، لزم من قدم إرادته قِدَمُ مُرادِهِ، فيكون ذلك قولاً بقدم العالم، ولأن أفعال العباد من جملة مراداته عندكم، فيلزم قدم أفعال العباد، وذلك معلوم الفساد بالبديهة، وإن لم يكن حصول الفعل في حقه تعالى واجباً مع ذلك المرجح، فلم لا يجوز مثله ها هنا، إلى قوله في وجوب هذا.


(١) في (ش): في الدليل الذي مضى.
(٢) " لا " ساقطة من (أ) و (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>