للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أدلةِ أهل السنة في هذا بعد تواتر نصوص السمع فيه أن من المعلوم لكل عاقل أن مجرد القدرة لا تُؤَثِّر في الفعل من غير أمرٍ ينضم إليها، فإنا قادرون على كثير من المضارِّ (١) العظيمة لأنفسنا وأولادنا من القتل وغيره، وأنواع القبائح التي لا داعي إليها مثل المشي عُراة في المجامع، وسائر أفعال المجانين وما شاكَلَها، ولا نفعل شيئاً من ذلك بمجرد قدرتنا عليه، وما ذلك إلاَّ لعدم الداعي.

ومن المعلوم ضرورة أن أهل الجنة لا يطرحون أنفسهم في النار، ولا يضرون أنفسهم بشيءٍ من المضار، وإن لم يُسلبوا التمكن والاقتدار.

وسيأتي في المرتبة الخامسة في الفرقة الرابعة الكلام على أنه في جُملته دون تفاصيله قرآني بُرهاني، وأن المعتزلة توافِق عليه، وننقلُ هناك إجماع المعتزلة على ذلك في أربع مسائل، وبإحكام النظر في هذه المسألة يتبينُ في العقل ما ورد في السمع من قدرة الله تعالى على هداية من يشاء من جميع عباده اختياراً بالدواعي والصوارف.

وبيان ذلك: أن المرجع في الترجيح الذي هو ضميمة القدرة، وشرط تأثيرها إلى الدواعي والصوارف، ولا شكَّ أن موادَّها من فعلِ الله سبحانه إجماعاً، بل الدواعي والصوارف أنفسها كلها من فعل الله سبحانه على الصحيح كما يظهر لك إن شاء الله تعالى.

والدليلُ على ذلك أن المرجع بها إلى الشهوة والنُّفرة والمحبة والكراهة، والعلم بالمنافع والمضارِّ والظن بها، والخوف والرجاء المتعلقين بها، وإنما ذكرتُ المحبة والكراهة مع الشهوة والنفرة للاختلاف في أنها مُترادفة أو لا كما مرَّ في الكلام على الصفات.


(١) في (ش): المصائب.

<<  <  ج: ص:  >  >>