للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا خفاء في أن كل هذه الأمور ضرورية لا اختيار للعبد فيها إلاَّ ما يخالف فيه بعض المعتزلة في العلوم النظرية، وفي الظنون، فأمَّا العلوم (١) النظرية، فإنها متولِّدة عن العلوم الضرورية بالإجماع، لكن من النُّظار من يقول: إن النظريات عند استحضار مقدماتها ضروريات، وهو الصحيح، لأنه لا يمكن الناظر اختيار الجهل حينئذٍ، فدلَّ على أن اختياره إنما هو في النظر.

والتحقيق أن المخالف إنما يُسمِّيها اختيارية لتوقفها على الاختيار في النظر، ولا مُشاحَّة في العبارة، فالظاهر أن الخلاف لفظي، وأما الظن، فالصحيح أنه ضروريٌّ من فعل الله تعالى، أما الظن القبيح عقلاً وشرعاً الذي ليس براجح، ولا يُسمى ظنّاً إلاَّ مجازاً باشتراك، فإنه من فعل العبد، وفيه يقول الله تعالى (٢): {إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثمٌ} وذلك في صورتين.

أحدهما: ما خالف الأدلة القاطعة كظن المشركين ربوبية غير الله.

وثانيهما: ما خالف القرائن الصحيحة، أو كان عن قرينة باطلة، كظنِّ الفُجَّار في الأبرار أنهم مثلهم في الاجتراء في (٣) الفواحش والخبائث.

وأما سائر الظنون الراجحة الصادرة عن القرائن الصحيحة الضرورية، فإنها فعل الله كما هو اختيار شيخ الاعتزال أبي الحسين البصري وأصحابه.

والدليل على ذلك، عدم القدرة على دفعه، وهي الحجة في كل ما تنسِبُه إلى الله تعالى، وخصوصاً حين تكون القرينة ضروريةً كمشاهدة الغَيْمِ الرَّطْبِ الثقيل والبرق فجأةً، وسماع دَوِيِّ الرَّعْدِ والرياح التي يُرْسِلُها الله بُشرى بين يدي رحمته في أوقات المطر.


(١) قوله: " الضرورية وفي الظنون فأما العلوم " ساقط من (أ).
(٢) من قوله: " فإنه " إلى هنا ساقط من (أ) و (ف).
(٣) في (أ): عن.

<<  <  ج: ص:  >  >>