للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما خالف بعض المعتزلة في ذلك، لكونه قد يكون غير مُطابِقٍ، ويلزمهم في المطابقة تجويز أنه من الله، وسيأتي في مسألة الأقدار إنه قد يجوز أن يريد الله تعالى وقوع مثل ذلك لمصلحةٍ غير مستلزمةٍ لقبيح، كما جاء في قوله تعالى: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} [الأنفال: ٤٤].

ومثلُ ذلك قوله تعالى: {وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ} [الأنفال: ٤٣].

ومثلُ تخويفه لأوليائه من سخطه وعذابه، وأيضاً فالبلادة والغَباوة والنِّسيان بعد العلم، والجهل والجنون المبتدأ، وضعف الحواس المتولِّد عنها الغلط في الإدراك خصوصاً ضعف البصر والحول، وظنُّ النائم واعتقادُه، كلها فعل الله بالإجماع، والظن الذي لم يطابق أهون من ذلك، بل هو بعض ما يتولد عنها مع ما لا يخُصُّه من الاعتقادات الباطلة المتولدة، وعندهم فاعل السبب والمُسَبِّب واحدٌ غالباً، ولا قُبحَ فيه عقلاً لوجهين:

أحدهما: أنه لو كان قبيحاً، لقَبُحَ من المكلف، وهو خلاف الإجماع، وكيف يقال: إنه قبيح؟! وهو مراد الله تعالى من كل مكلَّفٍ (١)، والثواب مترتب عليه عند الخصوم.

وثانيهما: أن القبح إن كان في العمل، فليس (٢) بقبيح إجماعاً، وإن كان في عدم مطابقته، فلم يدل على المظنون على جهة القطع، فيقبح بانكشاف المخالفة، بل عدم المطابقة مطابقٌ لِجَنَبَةِ (٣) التجوبز التي هي من لوازم الظن،


(١) في (ش): مجتهد.
(٢) من قوله: " عند الخصوم " إلى هنا ساقط من (أ).
(٣) في " اللسان ": الجانب: الناحية، وكذلك الجنبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>