للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والواجبُ: الجمع بين أطراف كلام الله تعالى ورسوله، وتقييد المطلق بالشرط الذي لم يتَّصل به، بل لا بد من ذلك عند الجميع في مواضع كثيرةٍ.

ألا ترى أن الله تعالى لما استثنى الصغائر في قوله: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُم} [النساء: ٣١]، خصَّصنا بها عموماتٍ كثيرةً لم تتصل بها، مثل قوله تعالى: {ومن يَعْصِ الله}، وأمثالها، بل خصَّصنا بها مما يظُنُّ من (١) لم يتأمل أنه يُعارِضها مثل قوله تعالى: {ومن يعمل مثقال ذرةٍ شرّاً يَرَهْ} [الزلزلة: ٨]، وهذا وعيدٌ صريحٌ على الصغائر. ولكن الجمع بين الآيات يدل على صرفه عن مُجتنبي الكبائر، لو (٢) أنه مُوَجَّهٌ إلى من يجتنبُها، أو أنه للمؤمنين في الدنيا كما ورد مرفوعاً كما يأتى إن شاء الله تعالى، أو أن الرواية (٣) هنا على ظاهرها كقوله: {يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: ٢٨٤]، وهو الغرض كما يأتي إن شاء الله تعالى في ذكر الحساب.

ومع أن التأويل ينفي الخوف والرجاء، ولا بُدَّ من بقائهما على كل تقديرٍ وعلى كل مذهبٍ، حتى على مذهب المرجئة على بطلانه كما مر إيضاح ذلك عند ذِكر قَبُول ثقاتهم في الرواية في أول الكتاب، وهذا أحسنُ الأجوبة وأنسبها عند علماء الأصول الفقهية.

الوجه الثاني: أن أحاديث الشفاعة وردت في قومٍ ليس في قلوبهم من (٤) الإيمان إلاَّ شيءٌ يسيرٌ، قدَّره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمثقال الحبة من خردلٍ، أو نحو ذلك إلاَّ في حديثٍ لم يصح، خرّجه الحاكم في آخر كتاب الأهوال (٥) عن أبي سعيدٍ، وفي سنده ابن إسحاق وليث بن أبي سليم مع إعلاله لمخالفة الحُفَّاظ، والذين بشَّرهم بالنجاة بلا إله إلاَّ الله هم مختصُّون في مُتون الأحاديث بشروطٍ تدل على كمال يقينهم وصدقهم في تصديقهم، فإنه شَرَطَ العلم بذلك في


(١) في (ف): " ممن ".
(٢) في (ف): "أو".
(٣) في (د) و (ف): " الروية ".
(٤) " من " ساقطة من (ش).
(٥) " المستدرك " ٤/ ٥٨٥ - ٥٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>