للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديث عثمان، وسيأتي، والإخلاص في حديث معاذٍ، وابتغاء وجه الله في حديث عُتبان وقد مرَّ، وهذا يتلو الأول في القوة، وشهد لذلك حديث ابن عباسٍ في الذي حلف كاذباً، فغُفِرَ له بإخلاصه في لا إله إلاَّ الله (١).

على أن من كان كذلك، فلا يخلو من عملٍ صالحٍ مع ذلك، بل (٢) هذا الوجه الثاني أصح وأبعد من التشغيب (٣)، فإن المرجئة في الأول ادعت أن الشرط قوله تعالى: {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: ٤٨].

إنما ورد ليُخْرِجَ غير الشرك من كبائر المشركين، فإنه لو لم يشرُط ذلك الشرط، لوجب أن يغفر للمشركين ما دون الشرك من الكبائر.

قالوا: وأما أهلُ الإيمان الصحيح، فقد دلَّت أدلةٌ منفصلةٌ على أنهم من أهل الجنة، كقوله تعالى: {أُعِدَّتْ للذين آمنوا بالله ورُسُلِهِ} [الحديد: ٢١]، وعلى أن النار لا تمسُّهم، وأنها محرَّمةٌ عليهم، كما دلت عليه الأخبار.

ونِزاعُهم في هذا على طريق القطع صعبٌ جداً، فإنه لا حجة لنا عليهم إلا آيات الشفاعة، وليس فيها تصريحٌ قطُّ بأن الذين خرجوا من النار دخلوها بمجرد بعض الكبائر، بل فيها وصفهم بنقصان الإيمان، وفي غير أحاديث الشفاعة ذكر دخولهم بذنوبهم، كحديث أبي سعيدٍ في إماتة النار لهم، وحديث سمرة في الرؤيا النبوية، وتعديدُ الذنوب وأنواع العذاب عليها، وحديث أبي هريرة في تعذيب تارك الزكاة بماله يوم القيامة، وليس في هذا ذكر دخول النار، لكن في حديث الخُدريِّ، فيجوز أن يكون نقصان الإيمان أقوى أثراً في دخولهم، ويجوز أن يكون المؤثِّر كبائرهم مع ذلك النقصان، وأنه في الوجهين معاً، لو لم يكن ذلك النقصان في إيمانهم، لما دخلوا النار، ولكان إيمانهم


(١) أخرجه أحمد ١/ ٢٥٣ و٢٨٨ و٣٢٢، وأبو داود (٣٢٧٥) و (٣٦٢٠)، والطحاوي في " شرح مشكل الآثار " (٤٤٠) بتحقيقنا، وصححه الحاكم ٤/ ٩٥ - ٩٦، ووافقه الذهبي.
(٢) " بل " ساقطة من (ش).
(٣) في (ف): " التشعب ".

<<  <  ج: ص:  >  >>