للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُظَنُّ به وبأمثاله التَّخليطُ على أهل الإسلام بروايات الأحاديث (١) المنسوخات وتبشيرهم بها من غير تصريحٍ بالنسخ، ولا تأويلٍ ولا تلويحٍ؟ ولو كان شيءٌ من ذلك، لنقله الثقات عنهم الذين نقلوا هذه البشارات، بل لبَيَّنهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأوضح البيان، خصوصاً وقد ظهر منه المنسوخ ظهوراً متواتراً، فكان يجبُ أن يُظهِرَ الناسخ كذلك كما هي صفته وصفة الرسل. وقال الله تعالى: {وما أرسلنا من رسولٍ إلاَّ بِلِسانِ قومه ليُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: ٤٠]، فتأمَّل ذلك، والله الهادي.

وما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مترقِّياً في مراتب القريب والإجابة والجاه والتَّبشير، فخُفِّفَتْ بجاهه الصلوات من خمسين إلى خمسٍ، ونُسِخَ وجوب قيام الليل، وكانت في المال حقوقٌ كثيرةٌ نُسِخَتْ بالزكاة، وكان الصوم من بعد العشاء الآخرة، ومن نام قبلها حرُم عليه الأكلُ والنكاحُ قبلها أيضاً، فنُسِخَ ذلك، ورُخِّصَ في الفِطْرِ للمسافر والمريض والحُبلى والمُرضِعِ على ما هو مفصَّلٌ في مواضعه، ونُسِخَ غسلُ البول من سبعٍ إلى ثلاثٍ، وعند الشافعي إلى واحدٍ، ونُسِخَ قتل الشارب في الرابعة، وحَبْسُ الزَّانيين حتَّى يموتا وأذاهما، وقتال الواحد العشرة، وتحريم القتال للعدوِّ في الأشهر الحُرُم، والوضوء مما مسَّتِ النار، ونسخ تحريم ادِّخارِ الأضاحي فوق ثلاثٍ، وفساد صوم المُصبح جُنُباً، وتحريم الحجامة على الصائم، والانتباذُ في الآنية المنهيِّ عنها، ووجوبُ الهجرة على مَنْ لم يُفتن، وغير ذلك.

وقال الواحدي في " أسباب النزول " (٢) في قوله تعالى: {وإذا بَدَّلْنَا آيةً مكانَ آيةٍ} [النحل: ١٠١]، نزلت حين قال المشركون: إن محمداً يسخرُ بأصحابه، يأمرُ اليوم بأمرٍ، وينهاهم عنه غداً، ويأتيهم بما هو أهون عليهم، فأنزل الله هذه الآية والتي بعدها. انتهى.


(١) " الأحاديث " ساقطة من (د) و (ف).
(٢) ص ١٨٩ - ١٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>