للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى لم يقلِبِ الأرض ياقوتةً خضراء، مع قُدرته -سبحانه- على ذلك، ولا حوَّل قوة الحديد إلى الزجاج، وضعفَ الزجاج إلى الحديد، وحلاوة العسل إلى الصبِرِ، ومرارة الصَّبِر إلى العسل.

ومن جَوَّزَ مثل هذَا، أو شكَّ فيه؛ فقَد شكَّ في أحد العلوم الضروريات، وخرج إلى المقالات السُّوفسطائيات (١). وهذا لا ينبني على معرفةِ عدلِ الله وحكمته، لاشتراك مَن يعرفُ ذلك ومَنْ يجهله فيه، وقد احتج الله تعالى في القرآن الكريم بالعلم العَادي، في قوله تعالى: {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ} [المائدة: ١٨] فإن تعذيبَ الحبيب بذنبه -مع حُبِّه- ممن لا يتألم بذنبه؛ لا يقع عادةً ضرورة، وإن كان مقدوراً، وهي حجة في مسألة الداعي، وحجة مفحمة للأشعرية، في نفي الدواعي والأسباب عن أفعال الله تعالى (٢). ومن ذلك: قوله تعالى: {لَفَسَدَتَا} (٣) [الأنبياء: ٢٢] ونحو ذلك كثير في كتاب الله تعالى.

وربما توقف العلمُ الضروريُّ على تذكُّر وتفكُّرٍ في مقدمات ضرورية؛ مثل: علم الحساب، فإنَك متى أردت أنْ تَعْرِف نصف خمسة وسبعة مضاعفة سبعة أضعاف؛ احتجت إلى فكرة، تضطرُّ بعدَها إلى معرفة الصواب. ويختلفُ الناسُ في ذلك اختلافاً كثيراً، ويكون فيهم منْ


(١) الكلمة يونانية، تعني المغالطة واستخدام القياس المركب من الوهميات. والسوفسطائية: فرقة تنكر الحسيات والبدهيات وغيرها، الواحد سوفسطائي.
(٢) لفد فصل القول في هذه المسألة شيخ الإسلام، ابن تيمية رحمه الله في كتابه " أقوم ما قيل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل " الموجود ضمن " مجموع الفتاوى " (٨/ ٨١ - ١٥٨) فراجعه فإنه غاية في النفاسة والتحقيق.
(٣) انظر لزاماً في تفسير هذه الآية " منهاج السنة " ٢/ ٧٣ لشيخ الإسلام، و" شرح العقيدة الطحاوية " لابن أبي العز ص ١٩ بتحقيقنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>