للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَفْهَمُهُ من غير فكرة؛ كما يفهم كلُّ أحد نصفَ العشرة، إما لفرط ذكائه، وإما لشدة رياضته في علم الحساب، وكذلك سائرُ المعارف، على ما يأتي تحقيقه (١)، إن شاء الله تعالى. فتأمل هذه النكتة.

وان رجعت إلى ما أرشد إليه كتابُ الله تعالى مِن البراهين القاطعة، والأنوارِ الساطعة، وجدْتَهُ مشحوناً من ذلك بأشفاهُ وأكفاهُ وأوفاه. وذلك ما اختارهُ لخليلهِ إبراهيم -صلى الله عليه- حين طلب أن يَطْمَئنَ قلبُهُ، ولكليمه موسى حين أراد أن يُفْحِمَ خصمَه، وهو النَظرُ في المعجزات المعلومة، والتواتر فيها يقومُ مقامَ المشاهدة، والآيةُ في قصةِ إبراهيمَ معروفة. وفي قصة موسى -عليه السلام- قولهُ تعالى، في حكاية موسى لفرعون، لَما اشتدَّ كُفْرُ فرعون وتفاقمَ، ولم يُسَلِّم له ما أشار إليه من الاحتجاج بخلق المخلوقات، فرجع موسى بعد ذلك إلى أفحمِ الحُجَحِ، وأقطعها للشَّغَب، فقال: {أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (٣٠) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣١) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (٣٢) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ} [الشعراء: ٣٠ - ٣٤].

فالنظرُ في المعجزات الواضحات، والخوارق الباهرات، كان إيمان عامةِ أهلِ الأسلام، في زمن الرَّسُول عليه السلام، وبه كان إيمان السَّحَرة في زمن موسى عليه السلام، الذين حصل لَهم مِن اليقين في ساعةٍ واحدةٍ، حتى صبَرُوا على مرارةِ القَتْل، وفراق الحياة ما لم يحصل لكثيرٍ من النُّظارِ في الكلام، في عِدَّة أعوام.

فمن أحَبَّ برْد اليقين، وثلَج الصُّدور، تدبر ما في كتاب الله تعالى


(١) في (ب): بيانه.

<<  <  ج: ص:  >  >>