سبيلِ المؤمنين على هارونَ عليه السلام، وذلك ظاهر من مفهوم الصفة أحدِ أقسام مفهومِ المخالفة، لأن المفهومَ مِن النهي عن اتباعِ سبيلِ المفسدين إيجابُ اتباعِ سبيلِ المؤمنين، لكنه لا يجب على هارون عليه السلام أن يقتديَ بأحدٍ من المؤمنين، ولا اتباع سبيلهم.
فإن قلت: كيف لا يجبُ على هارون اتباعُ سبيلِ المؤمنين مع أن من لم يَتَّبعْ سبيلَ المؤمنين فقد اتبع سبيلَ المفسدين؟
قلتُ: سبيلُ المؤمنين قسمان:
أحدهما: ما ذكرناه من السبيل العُرفية السابقة إلى الأفهام، وهي الإيمان بالله ورسلِه والمحافظة على طاعته.
والآخر: اتباعُهُمْ في جميع الأفعال والأقوالِ على التفصيل، فإما أن يُرِيدَ السَّيِّد أنَّه واجبٌ على هارون عليه السلامُ اتباعُهم على الوجه الأول، فذلك مسلَّمٌ لا يَضرُّ تسليمه، أو على الوجه الثاني، فذلك ممنوع، لأن المشروعَ تأسي المؤمنين بالأنبياءِ لا تأسِّي الأنبياء بالمؤمنين، فإن نازع السيدُ في هذا، فعليه أن يَدُلَّ بدليلٍ قاطع، وإنما قلنا: لا يضر تسليمُ الأول، لأن الآية متى أرِيدَ بها ذلك لم يدخل فيه قبول المتأولين بنفي ولا إثبات، لأنَّه لَمْ يَسبق إلى الأفهام عند سماع الآية أن قبولَ المتأوِّلين من سبيل المؤمنين، أو ليس مِن سبيلهم، إنما السابقُ أن سبيلَهم ما ذكره من الإيمان بالله، والمحافظةِ على طاعته.
فإن قلتَ: غاية المفهوم من هذه الآية أن يُبِيحَ اتباعَ سبيل المؤمنين، فلم قلت: إن مفهومها يقتضي إيجابَ اتباع سبيل المؤمنين على هارون عليه السلامُ.