للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: بلى، ولكنه فعل ذلك بالحق وللحق، والطبيب الذي يُؤلِمُ العليل بالفِصَاد والحِمْيَة والأدوية الكريهة لا يُسَمَّى ظالماً ولا مفسداً، ولا يسمى بشيء من أسماء اللوم البتة، بل هو مُحسِنٌ مُحِقٌّ ساعٍ في الخير، مُتوسَّلٌ إليه مُثْنٍ بكل خير عليه، فكيف بالله العليم الحكيم الرحمن الرحيم، الذي له المثلُ الأعلى والأسماء الحسنى، لا مِثْلَ للطف حكمته الخفية، وغايات تدبيره الحميدة؟!

أما قولنا: إنه فعل ذلك بالحق، فحيث يكون عقوبةً على الذنوب مثل ما دلَّت عليه الآيات وغيرها كما تقدَّم.

وأما قولنا: إنه فعله للحق، فلأنه سبحانه لا يعاقب العبد إلاَّ لحكمةٍ خفيةٍ، ومصلحةٍ راجحةٍ، هي تأويل المتشابه الذي لا يعلمه إلاَّ الله، ولولا ذلك لما اختار العقوبة على العفو، وقصور العقول عن ذلك لا يَضُرُّ علام الغيوب.

وقد صرَّح الغزالي بهذا في " المقصد الأسنى " (١) في شرح الرحمن الرحيم، وفي مقدمات " إحياء علوم الدين " في كتاب العلم.

وأشار إليه النواوي في " شرح مسلم " (٢) وفي " الأذكار " (٣) في شرح قوله عليه أفضل الصلاه والسلام: " الخير بيديك، والشر ليس إليك " فإن في أحد تأويلاته أنه ليس بِشَرٍّ بالنظر إلى حكمتك فيه. انتهى.

وإنما تلزم الشناعة بنفي الحكمة عن الله باطناً وظاهراً، ولهذا موضعٌ يُبْسَطُ فيه القول غير هذا، وقد كشفت الغطاء عن هذا السر قصة موسى والخَضِر، فكل جاهلٍ بتأويل الخضر يعُدُّه متعدِّياً، وكل عالمٍ بتأويله يعدُّه مُحسِناً، فكيف بغلاَّم الغيوب البريء من النقائص والعيوب؟!

النوع الرابع عشر: قال الله تعالى في السبع المثاني التي اختارها للصلوات


(١) ص ٦٢ - ٦٣.
(٢) ٢/ ٥٩.
(٣) ص ٩٣ باب ما يقوله بعد تكبيرة الإحرام.

<<  <  ج: ص:  >  >>