الواجبات المفروضات من جميع كتبه المُنزلات، وكلماته الطيبات المباركات:{إيَّاكَ نَعْبُدُ وإيَّاكَ نَستَعِينُ}[الفاتحة: ٥] فالاستعانة من العبد بالله، ولا يصح أن تكون الاستعانة إلاَّ بين اثنين، لأن المستعين لا يكون إلاَّ مفتقراً محتاجاً، والمستعان به لا يكون إلاَّ غنياً حميداً كريماً عليماً قديراً لطيفاً رحيماً، فكيف يصح أن تكون الاستعانة له منه؟! فيجتمع فيه الفقر والغِنى، والعجز والقدرة.
وقد احتج بهذه الآية الكريمة شيخ الأشاعره الشهرستاني في " نهاية الإقدام " على القدرية والجبرية، فقال ما معناه: إن العبد لو كان مستقلاًّ بنفسه وقُدرته ومشيئته لم يحتج إلى الاستعانة، ولو لم يكن له فعل يتوقف على اختياره وجهده لم يحتج إلى الاستعانة أيضاً، فإنك لا يصح في لغة العرب التي نزل عليها كتاب الله أن تستعين الله على أفعاله المَحْضَةِ، فلا تستعينه على أن يغفر لك أو يُطِيلَ عُمرَك، بل تسأله أن يفعل ذلك لا أن يُعِينَك عليه.
قال: وكل مُنْصِفٍ يجد من نفسه ذلك، فإنه يهتم بما يقدر عليه، وتجد الداعي الباعث لك على أن تفعله وتُحسِنَ الاقتدار على الاحتراك فيه، ولا تجدُ اقتداراً على التمام وبلوغ أقصى المرام من أفعالك حتى تجد القدرة على الرَّمْي دون الإصابة، وعلى الكتابة دون التجويد الذي تَمَنَّاه، وعلى التساوي بحيث لا يختلف، وعلى الصلاة دون كمال الخشوع الذي لا نسيان فيه ولا غفلة ولا شيء من أنواع النقص.
وقد نبَّه الله تعالى على ذلك بقوله:{وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا}[الأنفال: ٤٢]، ولذلك ورد الوعيد بالتَّخْلِيَة بين العبد وبين نفسه عند الغضب على العبد والمؤاخذة والاستعاذة من ذلك، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
النوع الخامس عشر: ما جاء على جهة الشرط والجزاء لفظاً أو معنىً، أو ما يقارب ذلك، كقوله تعالى:{فَاذْكُرُوني أَذْكُرْكُم}[البقرة: ١٥٢] فإن الذكر الأول قُربَةٌ من العبد إلى الله، صدرت على نية التعبُّد والتذَلُّل لِعِزَّة الله، والذِّكر