للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قوله في آخر الآية: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة: ٢٥٣] فمعناه: من المشيئة النافذة الدالة على العزة والملك، لا من الاقتتال الذي يناقض العزة والملك، ولا يصح إلاَّ من العباد الضعفاء المتضادِّين المتغالبين المتكاذبين في الدعاوي، فلو كان ذلك من الله وحده، كان مُغَالِباً لنفسه، تعالى عن ذلك عُلُوّاً كبيراً، وإنما يقع ذلك من عباده بينهم، وله العِزَّةُ والحكمة والمشيئة والحُجَّة والكمال في كل شيءٍ، لا إله إلاَّ هو.

ومن أوضح هذا النوع قوله تعالى: {أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ} [النحل: ٢٧] فكيف تكون مُشاقَّتُه تعالى منه، فيكون هو مُشَاقّاً (١) لنفسه.

ومنه: {واللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما} [المجادلة: ١].

ومنه: {مِنْ قَبْلِ أنْ يَتَماسَّا} [المجادلة: ٣].

ومنه: {وَشَاوِرْهُم في الأمْرِ} [آل عمران: ١٥٩].

فإن قلت: عند (٢) الخصم لا يُسَمَّى بذلك التقاتل والتنازع ونحوه من الوجه الذي يُنْسَبُ إلى الله.

قلنا: وكذلك هو عندهم لا يسمى من ذلك الوجه كفراً ولا قبيحاً ولا معصيةً.

ومن أوضحه قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: ٢] فلو كان الله سبحانه هو خالق أفعال العباد من كل وجهٍ، ولا اختيار لهم ولا فعل، لم يكن مُحتاجاً إلى الأمر فيما وحده وهو منه لا من سواه.


(١) في (ش): فيكون ميثاقاً، وهو تحريف.
(٢) في (ش): إنه عند.

<<  <  ج: ص:  >  >>