للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي استأثر به. ذكره في شرح الباب الثالث من أبواب القدر من " صحيح البخاري ".

وقد كثر إطلاق بعض أهل الحديث والأشعرية القدري على المعتزلي مع أن المعتزلة تُثبت علم الله السابق وكتابته حتى توهم ابن السيد البَطَلْيَوْسي في " شرح سقط الزّند " من شعر المعري ينكر كون الله تعالى يعلم الغيب. وسببُ وهمه في ذلك ما رآه من تسميتهم قدرية مع اعتقاده أن القدرية تنكر علم الغيب.

وسبب تجاسرهم على تسميه المعتزلي بذلك خلاف المعتزلة في مسألتين:

إحداهما: مسألة الإرادة، فإنهم يقولون: إن الله تعالى يريد وقوع الطاعات من جميع العُصاة، ويجب عليهم اللطف بهم، ولكن ليس في معلومه تعالى ولا في مقدوره لهم، ولو كان في معلومه، لكان في مقدوره، ولو كان في مقدوره ولم يفعله، كان مُخِلاًّ بما يجب عليه، وقد تقدم الرد عليهم في ذلك في الكلام على الإرادة.

المسألة الثانية: الإضلال، وهو إضلالٌ وسلبُ اختيار، فإنهم يمنعون جوازه من الله تعالى ويقبحونه، والسمع ورد بجوازه عقوبةً على العاصي، كقوله تعالى: {وما يُضِلُّ به إلاَّ الفاسقين} [البقرة: ٢٦]، وقوله: {فَسَنُيسِّرُه للعُسْرَى} [الليل: ١٠]، وقوله: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس: ٨٨] إلى ما لا يُحصى كثرة.

وبيان عدم الموجب لتاويله والقاطع لِلَّجَاج أنا إن فسرنا القدر بالعلم ولوازمه فالقدرية المذمومة من نفاه وإن فسر القدر بالجبر (١)، فالقدري المذموم من أثبته، لكن التفسير الأول هو المعروف بدليل قوله تعالى: {كان على ربِّكَ حَتْماً مَقْضِياً} [مريم: ٧١] وقد تقدم بيانه.


(١) من قوله: " فالقدرية المذمومة " إلى هنا ساقط من (أ) و (ف).

<<  <  ج: ص:  >  >>