للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا، بل أورد الحديث في معرض التُّهمة لهم أنهم كذَّبوه لموافقة مذهبهم، وليس كذلك، فليطالع تأويلهم في شروح الحديث، وفي كلام إمام أهل السنة شيخ الإسلام أحمد بن تيمية الحنبلي ما لفظه: ومن ظن أن القدر حجة لأهل الذنوب، فهو من جنس المشركين الذين قال الله عنهم: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا} [الأنعام: ١١٨]، قال الله عنهم (١): {كذلك كَذَّبَ الذين من قبلهم}، إلى قوله: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِين} [الأنعام: ١٤٩] ولو كان القدر حجةً، لم يُعذِّب الله المكذبين للرسل. إلى آخر كلامه.

ذكره في كتاب " الفرق بين الأحوال " (٢).

التنبيه الثالث: ذكر السيد في الحديث رواية منكرة، وهي قوله: وخلقه في قبل أن يخلُقَنى بألفي عامٍ، والصحاح بريئة (٣) من هذه الرواية، وليس في الصحاح حديث في خلق الأفعال البتة.

وقد أوهم السيد أنها في الصحاح، فليرجِعْ عن ذلك، ولعلَّه -أيده الله تعالي- التقطها من بعض الكتب المشتملة على الغثِّ والسمين، والصِّحاحُ مصُونةٌ عن مثل هذه الرواية.

فإن كان السيدُ ما فرَّق بين هذه الرواية وبين ألفاظ الصحاح، ونَظَمَها في سِلْكٍ واحد، فهذا عجيبٌ من مثله، وكم بين الألفاظ من التفاوت، وهل مثلُ هذا - يخفى على من له أدنى تمييزٍ؟ وكيف يتصوَّرُ في عقل عاقلٍ أن الله خلق المعصية في آدم قبل أن يخلقه بألفي عام، وكيف تُوجَدُ المعصية فيه (٤) وهو في العدم؟، وأين هذا من رواية أهل الصحاح التي قدمت الكلام فيها، فبين الروايتين بونٌ، ومثل هذه الرواية الأخيرة مما يُقطع على أن الرسول عليه السلام


(١) في (الفرقان): " رداً عليهم ".
(٢) ص ١٠٤ - ١٠٥.
(٣) في (ف): " نزيهة ".
(٤) " فيه " ساقطة من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>