للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن القول بذلك هو الفاروق ما بين السني والبدعي، وإن بقية الاختلاف إنما أكثرُهُ في العبارات.

فتأمل هذه الفائدة العظمى وأيقِظْ بها قلبك، وشُدَّ بها يديك، فهي من نفائس علوم الخاصة، وما يعقلها إلاَّ العالمون.

فمن هنا أطلق إمام الحرمين وأصحابه على أفعال العباد أنها مخلوقة، ويحتجون على صحة هذه التسمية بما ذكرناه من أدلة السمع الخاصة والعامة المُتَّفَقِ عليها بينهم، والمختلف فيها على حسب رأيهم في المختلف فيها.

وقد أشار الغزالي في مقدمات " الإحياء " (١)، بل صرح أن الحامل على تسمية أفعال العباد مخلوقة إنما هو الإيمان بقوله تعالى: {خَالِقُ كلِّ شيء} [الأنعام: ١٠٢]، وصرَّح فيها ببطلان الجبر، وأن بطلانه ضروري للفرق بين الحركة الاختيارية والضرورية ضرورةً، والله أعلم.

الوجه الثاني: أن يقال: يلزمهم أن يوصف العبد بأنه خالقٌ لأفعاله.

والجواب عنهم في ذلك أنه لا يلزم في كل شيء أن يسمى مخلوقاً في اللغة لوجهين:

أحدهما: أن تسمية كل شيء بذلك يحتاج إلى نقل صحيح عن أهل اللغة وهو معدوم، ولم يُعهَد عن أحدٍ من أهل اللغة أنه يقول: خَلَقتُ قياماً (٢) ولا صياماً ولا حلالاً ولا حراماً.

الوجه الثاني: أنه يُفهَمُ من كثيرٍ من الكتاب والسنة وكلام البُلَغاء أن ذلك يختص ببعض الأمور دون بعض.

من ذلك قوله: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: ٥٠] فعطف الهدى المتعلِّق بالأفعال على الخلق المتقدم لها، وظاهره المغايرة


(١) ١/ ١١٠ و١١١.
(٢) تحرفت في (ش) إلى: فتأمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>