للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في " مجمع الزوائد " (١) في أوله في كتاب الإيمان من طرق أخرى، وفي كل منها نظرٌ على قواعد أهل الصحيح، والله أعلم.

قلت: ولفظ الحديث مشعرٌ بخلاف مذهب المعتزلة، فإنه ظاهرٌ في تقييده لنفي الإيمان بحال ملابسة هذه المعصية، ولا يظهر نفيه مطلقاً من ذلك كما هو مذهب الخصوم، ولا يفهم ذلك صحيح الذوق، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أفصحُ العرب، ولو أراد ذلك، لقال: إن الزاني والسارق غير مؤمنين، أو أنهما ليسا من المؤمنين ولم يَعْدِلْ إلى هذه العبارة المقيدة بحال المباشرة للذنب، والملابسة له (٢)، ولا يخلو عدُولُه إليها من معنى لطيفٍ، لبلاغته التامة.

وقد روى ذلك الحاكم أبو عبد الله في " المستدرك " (٣) صريحاً على أنه من الشيعة فقال: حدثنا أبو النضر الفقيه، وأبو الحسن الحيريِّ، قالا: أخبرنا عثمان بن سعيد الدارمي (ح)، وأخبرنا أبو جعفر محمد بن صالح بن هانىء،


= الآخرة، وإنما تأولناه على ما ذكرناه لحديث أبي ذر وغيره: " من قال لا إله إلاَّ الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق "، وحديث عبادة بن الصامت الصحيح المشهور أنهم: بايعوه - صلى الله عليه وسلم - على أن لا يسرقوا ولا يزنوا ولا يعصوا إلى آخره ثم قال لهم - صلى الله عليه وسلم -: " فمن وفى منكم، فأجره على الله، ومن فعل شيئاً من ذلك، فعوقِبَ في الدنيا، فهو كفارتُه، ومن فعل ولم يُعاقب، فهو إلى الله تعالى إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه " فهذان الحديثان مع نظائرهما في الصحيح، مع قولِ الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} مع إجماع أهلِ الحق على أن الزاني والسارق والقاتل وغيرهم من أصحاب الكبائر غير الشرك لا يكفرون بذلك، بل هم مؤمنون ناقصوا الإيمان، إن تابوا، سقطت عقوبتهم، وإن ماتوا مصرين على الكبائر، كانوا في المشيئة، فإن شاء الله تعالى عفا عنهم وأدخلهم الجنة أو لا، وإن شاء عذبهم، ثم أدخلهم الجنة، وكل هذه الأدلة تضطرنا إلى تأويل هذا الحديث وشبهه.
(١) ١/ ١٠٠ - ١٠٢.
(٢) " له " ساقطة من (ش).
(٣) ١/ ٢٢، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، قلتُ: هو على شرط مسلم، فإن نافع بن يزيد روى له البخاري تعليقاً، ورواه أيضاً أبو داود (٤٦٩٠)، وابن منده في " الإيمان " (٥١٩) من طريق ابن أبي مريم، وعلقه الترمذي (٢٦٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>