أخلاقه، وكم مِن حليم يُطاع، ويُمتثل أمرُه، وتفنى الأرواح والأموالُ في طاعته، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل هذه الصِّفَةِ الشريفة، بل هو الذي بَلَغَ أعلى مراتبها، واختصَّ بأقصى مناقبها، وهي صفتُه في التوراة والفرقان، قال الله تعالى:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم}[القلم: ٤] إلى غير ذلك.
وفي تفسير السَّيِّد في قوله تعالى حكايةً عن المنافقين في عيبهم له بأنَّهُ " أُذُن " قال السيد: أي: يُصدِّقُ كلَّ مَا سمِع، وَيقْبَل قَوْلَ كُل أحد وقال في قوله تعالى:{قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ}[التوبة: ٦١] أي: نعم هو أُذُنٌ، ولكن نِعْمَ الأذنُ، إلى قوله في تفسير كونه خيرَ أذن أنَّهُ يُصدق بالله وًيقْبَلُ من المؤمنين المخلصين إلى قوله:{وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُم}[التوبة: ٦١] أي: أظهر الإيمان منكم أيُّها المنافقون يقبل إيمَانَكُمُ الظاهرَ، ولا يكشِف أسرارَكم، فهو أذن كما قلتم، لكنه أذُنُ خيرٍ لا أُذُنُ شرٍّ. فسلم لهم أنَّه أذن، لكنه فسَّره بما هو مدح. انتهى. فلم يكن حِلْمُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وحُسْنُ خلقِهِ، وجزاؤه السيئةَ بالحسنة، حاملاً لخير أهله وأصحابه على الكذب عليه، والعقوقِ له، والتساهلِ في طاعته. وكذلك كلُّ حليم مع أصحابه وقرابته وجيرانِه، فمن أينَ للسَّيِّد أنَّ المرجئَة لما اعتقدوا أنَّ اللهَ يغفِرُ لأهل الإسلام كرماً واسعاً، وحلماً عظيماً، ورحمة لهم، واستغناءً عنهم، فقد استهانوا بجلال الله، وانهمكوا في معاصي الله، وصار دأبهم الكذبَ على الله ورسوله؟! ولقد رأيتُ مِن الصالحين مَنْ يزدادُ عملاً ونشاطاً على الرجاء، ويزدادُ نفوراً على الخوف، وهذا معروف عند أهل الذوق وأنشدوا في ذلك: