للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعرفه، وقد توعد أبا موسى بالضرب إن لم يأته بشاهدٍ على حديث الاستئذان، فجاء إلى الأنصار مذعوراً، فقالوا: لا يقوم معك إلاَّ أصغرنا، فقام معه أبو سعيد الخدري، فشهد له بذلك، فعَجِبَ عمر من خَفاءِ ذلك عليه من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (١).

ولم يقبل عمر حديث عمار في تيمُّم الجُنُب، ونسي ذلك، مع أنه كان معه، وقال له: اتق الله يا عمَّار، ومن مثلُ عمار، ولجلالة عمار أَذِنَ له عمر في رواية الحديث مع نسيانه له، وقال له: قد ولَّيناك ما تولَّيت (٢)، ووقف مع ذلك عن العمل به.

وكذا ترك حديث فاطمة بنت قيسٍ لمعارضته لكتاب الله تعالى (٣)، وهو خاصٌّ مفسِّرٌ لا معارض، والمصير إليه واجبٌ على مقتضى قواعد الأصول الفقهية، ولذلك قلَّتِ الرواية في أيام خلافته، ولذلك كَرِهَ أهل الحديث الرواية عن الأحياء، لأنهم قد ينسون كما نسي عمر، فيكذِّبُون من روى عنهم، فيؤخذ بكلامهم، لغَلَبَة سوء الظن على الطبائع، ولا يلتفت إلى المحامل الحسنة.

وقد أوضحت وجه الحجة في هذا المقام في كتابي في علوم الحديث في الكلام على تقديم (٤) الراجح من الجرح والتعديل وعدم إطلاق تقديم الجرح، وكيف يسوغ ذلك (٥)، وقد رأينا الكلام لا يكثر إلاَّ في الأعيان المفضلين، فما سُبَّ من على المنابر من الصحابة إلاَّ خَيرُهم، ولا خُصَّ بالرفض والنَّصب إلا أهل المراتب الرفيعة منهم. أفيقال: إن من كفَّرَهم وسبَّهم أولى، لأنه مُثْبِتٌ ومُطَّلِعٌ؟ بل الواجب النظر والبحث عن الخبر، والجمع بين المتفرقات، وترك التعصب، والبناء على قواعد العلم المشهورة.

وأما من غَلَّبَ الجرح في حق عكرمة، فتمسك بالقاعدة المشهورة في


(١) تقدم تخريجه ٣/ ١٦١.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) في (ف): " تقدير ".
(٥) انظر " تنقيح الأنظار " مع شرحه " توضيح الأفكار " ٢/ ١٥٨ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>