للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصول الفقه وفي الفقه، وهي: أن المُثبِتَ أولى من النافي، والجارح مقدَّمٌ على المعدل، لأنه أثبت أمراً عَرَفَه، والمعدِّل محمول على عدم معرفة ذلك، وهذا عندهم من قبيل الجمع، وهو مقدمٌ على الرد.

والجواب عليهم: أنه لم يقع ردٌّ ولا تكذيبٌ لأحد من الثقات ممن وثَّق عكرمة، ولا ممن كذَّبه، بل حُمل المكذب على أنه سمى الخطأ كذباً، أو قال قولاً يظن أنه فيه بارٌّ صادقٌ على حسب ظنِّه واجتهاده، فالكل من قبيل الجمع، لا من قبيل الرد.

وإذا كان كذلك، فكلٌّ يعمل في الجمع بما يترجَّح في اجتهاده، ولا حرج، لكن يلزم المعتزلة البقاء على قاعدتهم في تقديم الجرح، فيبطل عليهم الاحتجاج بحديث عكرمة في الفروع الظنية كيف في المسائل القطعية؟ والله يحب الإنصاف، وخصوصاً قبوله فيما يُقوِّي بدعته، لأنه قد اتُّهم ببدعة الخوارج، وصح عنه أنه وافقهم في بعض أقوالهم، وإنما دفع عنه المجيبون موافقتهم في الجميع.

وقد اتُّهم بتكفير أهل الذنوب من المسلمين، وهو أقوى ما نُقِمَ عليه، وأكثر ما جرَّأهم على الوقيعة فيه، فقال ابن لهيعة (١) عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن يتيم عروة: كان عكرمة حين أتى نجدة الحروري، فأقام عنده تسعة أشهرٍ، ثم رجع إلى ابن عباس، فسلم عليه، فقال: جاء الخبيث، قال: فكان يحدِّثُ برأي نجدة. قال: وكان -يعني نجدة- أوَّل من أحدث رأي الصُّفريَّة.

قال الجوزجاني: قلت لأحمد بن حنبل: أكان عكرمة إباضياً؟ فقال: يقال: إنه كان صُفرياً. وقال أبو طالب، عن أحمد: كان يرى رأي الخوارج الصفرية. وعنه أخذ أهل إفريقية، وقال علي ابن المديني: يقال: إنه كان يرى برأي نجدة، وقال يحيى بن معين: كان ينتحلُ مذهب الصُّفريَّة، ولأجل ذلك تركه مالكٌ، وقال مصعبٌ الزبيريُّ: كان يرى رأي الخوارج، وزعم أن عليَّ بن


(١) انظر " السير " ٥/ ٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>